الاستماع للمقال صوتياً
|
إذا كانت الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم قد عرفت تصاعدًا في خطاب القطيعة مع التراث والثقافة السائدة؛ باعتبارهما مصدرين للتخلُّف العربي، فإن الثمانينيات الي تلت ذينك العقدين شهدت مع النخبة الماركسية العربية أوْجَ الفكر المطالب باستئصال التراث؛ لأنه السبيل الوحيد لتحرير الجماهر.
في هذا السياق كتب ياسن الحافظ في المشرق: “قدمت لي الماركسية مشروعًا ثوريًّا شموليًّا ينقض با هوادة البنيان المخرَّب المفوّت الذي للمجتمع العربي، ويعوضه بمجتمع حديثٍ وعادلٍ وعقاني”
في الجناح المغاربي لم يكن الخطاب التحديثي أقلَّ جذرية، فهذا عبد الله العروي يؤكد أن العرب ما زالوا يرفضون القيامَ بالثورة الثقافية الي تدرك “وحدة التاريخ ووجهته وما يستلزمه ذلك من الارتماء في بحر هذه الحركة العامة الي تسمى العقلنة والتحديث”،
في الجانب الآخر كانت هذه اللحظة حاسمةً؛ إذ عبّرت موضوعيًّا عن حاجةٍ إلى مرحلة متميزة تؤسس لفكر مغايِرٍ، يرفض ما انتهى إليه إقرار التحديثين العرب من جهة ب”حتمية التاريخ” الي تقضي بالتضحية بالجوهر )الذات( لإنقاذ الوجود، وبالحاجة إلى فرض ذلك بالعنف- إن لزم الأمر- على فئات واسعة من المجتمعات العربية من جهة ثانية.
هكذا بزغ خطاب التجديد؛ هو لم يكن منطلقًا لنقض المشروع الحداثي برمته، بقدر ما كان تواصاً مع دوافعه الكرى الي تتلخص في مواجهة الإخفاق التاريخي الكبر، تلك المواجهة الي بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر.
من هذه الناحية لا يختلف التجديد الإسامي عن التحديث العربي، وعن الإصاح من قبله في القول ب”وحدة التاريخ ” الي تلتقي فيها مختلف الشعوب من حيث قدرتها على تمثّل حركة التقدّم.
ما تميّز به التجديديون عمن سبقهم من النخب العربية الساعية إلى الاندراج في التاريخية الحديثة، هو هذا الموقع النقدي الذي أرادوا به إنهاءَ رحلة شك النخب العربية والإسامية في موروثها الثقافي والحضاري.