الاستماع للمقال صوتياً
|
العرب الدولية – وايتهاوس ان أرابيك
المشهد الأمني العام في أفغانستان إثر مغادرة القوات الأميركية إلى جانب حلفائها البلاد واسترجاع جماعة طالبان لزمام الحكم هناك، يمكن أن يوصف بالغامض والمقلق، وذلك في غياب إعلام مستقل ذي مصداقية ينقل الصورة حية عما يدور في الشارع الأفغاني وكيف تتعامل قوات طالبان بعد إطباقها على السلطة مع الموظفين والرسميين السابقين الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولية.
التقارير التي ترد الأمم المتحدة لا تبعث على الاطمئنان البتة. فطالبان كانت قد وعدت بإصدار عفو عام عن كافة المتعاونين والعاملين مع الحكومة السابقة والقوات الدولية، إلا أن لا دلائل أن هذا العفو أخذ طريقه إلى التنفيذ.
فقد أشارت تقارير رسمية صادرة عن الأمم المتحدة إلى مقتل ما يزيد على 100 موظف في الإدارات الحكومية السالفة وفي صفوف القوات الأمنية ممن عملوا عن قرب مع قوات التحالف الدولية. وقد قتل هؤلاء بصورة متعاقبة منذ سيطرة جماعة طالبان على البلاد في شهر آب/ أغسطس من العام 2021.
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريث، صحة هذه التقارير في إحاطة له عن الوضع الأمني في أفغانستان خلال جلسة دعا إليها مجلس الأمن بقوله “إن معظم هؤلاء القتلى هم ضحايا تم إعدامهم خارج نطاق القضاء وعلى أيدي جماعة طالبان أو المتعاونين معها”.
وإثر مضي ستة أشهر على حكم طالبان وعلى الوعود المغرية التي أعلنتها في حينها لطمأنة المجتمع الدولي لجهة مراعاة حقوق الإنسان والأقليات، وإعطاء المرأة حقوقها بالتساوي، وإتاحة الفرصة لنشطاء المجتمع المدني بالتعبير الحر عن رأيهم وإقامة برامجهم للإصلاح دونما عوائق، لا بشائر تُذكر أن تلك الوعود في طريقها إلى النور. كما أن الحال الراهن في أفغانستان لا يشير إلى أن الحكومة التي شكلتها طالبان من الرجال حصراً، بعازمة على تحقيق أي من وعود قيادات طالبان المتشددين ، وهم الدينامو المحرك لبرامج وأعمال هذه الحكومة التي استثنيت منها النساء. بل كان من باكورة إنجازات طالبان إثر أسابيع فقط من إحكام قبضتها على السلطة في كابول، بأن قامت بإلغاء وزارة شؤون المرأة التي تأسست عام 2001، وأقرّت بدلاً منها وزارة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
الجماعة عادت إلى التضييق على النساء الأفغانيات، وتقوم بتطبيق القيود التعسفية على لباسهن وإمكانية عودتهن لمقاعد الدراسة، بينما يتعرض النشطاء والصحافيون الذين يحاولون تغطية هذه الانتهاكات ونقل صورة الأوضاع داخل أفغانستان إلى الخارج بدقة وشفافية، إلى كافة أنواع الترهيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري.
المدارس الثانوية فتحت أبوابها من جديد ولكن للبنين فقط، ولم يسمح لطالبات المرحلة الثانوية بالعودة إلى مدارسهن. كما أن معظم الجامعات الخاصة التي عادت إلى استقبال طلابها لم تتمكن الطالبات من العودة إليها.
هكذا يبدو اليوم “نصف المجتمع” الأفغاني من النساء في حالة تراجع مطرد في سلم الحقوق والحريات التي اكتسبتها المرأة الأفغانية خلال عقدين من العمل الجاد والدؤوب لاستعادة حقوقها كاملة، والتي غدت مرتهنة إثر العودة إلى نظام القيود والمحرّمات من طرف طالبان. هذا بينما يقبع “كل المجتمع” تحت خط الفقر والترهيب وانعدام الأمن والاستقرار المعاشي، وذلك في ظل تخوّف المجتمع الدولي من تقديم المزيد من المساعدات، والهاجس السائد لدى الدول المانحة بأن يتم استخدام المعونات لتقوية وتوسيع نفوذ طالبان وليس لرعاية وتلبية حاجات الشعب.
من نافلة القول إنه بإعلان الرئيس جو بايدن في تاريخ 14 نيسان/أبريل الفائت، ومن البيت الأبيض، “أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب وإلى الأبد” وأردف قوله بوعد للشعب الأميركي والعالم بأن “الانسحاب من أفغانستان لن يكون متسرعاً بل سيتم تنفيذه بمسؤولية وتنظيم وأمان”، أُعلنت أيضاً بداية النهاية للمنجزات الحقوقية التي تطورت في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن إلى حين الانسحاب الأميركي الذي لم يكن ابداً بالطريقة والسياق الذي وعد به بايدن شعبه والعالم.
وحتى لا نكتفي باللوم وتكرار الحديث عن المشاهد المخزية للانسحاب الأميركي وما رافقها من أحداث عنف شهدها العالم منقولة مباشرة على الشاشات، علينا أن نضع اقتراحات لمداواة الجرح الأفغاني الذي بدأ ينزف بشكل مقلق.
لا بد من توفير المساعدات الإغاثية الفورية وتأمين سب إيصالها مباشرة إلى المحتاجين لاسيما أن الاقتصاد الأفغاني يشهد تدهوراً كارثياً في القدرة الشرائية للمواطنين وتوفير المواد الأساسية للعيش. هذا التدهور والفاقة التي يعاني منها المواطن الأفغاني المغلوب على أمره، ستكون بؤرة خصبة لتجنيد الشباب في المنظمات المتطرفة التي تنشط ضمن هذه الأجواء ولاسيما خلايا داعش النائمة التي بدأت بالصحو.
كما أن موضوع إعادة توطين العاملين السابقين مع قوات التحالف الذين مازالوا عالقين وعائلاتهم وينتظرون أقرب فرصة لمغادرة البلاد نظراً لأن التصفيات بدأت تطال رؤوساً منهم على يد الحكام الجدد من طالبان، هو أولوية يجب أ تعمل واشنطن وشركاؤها في هذا الشأن وفي مقدمتهم قطر وتركيا على تسريع وتيرته كحالة طوارئ قصوى، وأن يتم بشكل لائق يضمن الانتقال بكرامة وأمن لموظفي الحكومة الأفغانية السابقة والناشطين المدنيين وعائلاتهم.
صور ونتائج الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة مما أُطلق عليه اصطلاحا “سايغون الرئيس بايدن” لن تمّحي من الذاكرة الإنسانية لعقود قادمة، لكن من مهمة الولايات المتحدة تخفيف الضرر ما أمكن بعد أن كانت عاجزة عن الحؤول دون وقوعه بتلك الصورة المدوّية التي لم يشهد العالم لها شبيهاً منذ حرب فييتنام المدمّرة.