مذهب ’اللارئيس’ في لبنان!
الاستماع للمقال صوتياً
|
بيروت – خاص وايتهاوس
مقال الرأي بقلم الجنرال يعرب صخر
ليست أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان نتيجة ظروف مانعة كحرب مستعرة فرضت ترحيل الانتخاب إلى أجل، أو دواعي تشنج داخلي صاحبها انفلات أمني وفوضى يقتضي ضبطها كأولوية تتقدم على كل الأولويات، أو بسبب كارثة طبيعية كبرى كزلزال أو بركان أو تسونامي… ليس السبب في أي من ذلك، كي نستند إلى حجج معقولة تبرر تأخير الانتخاب، ودواعي تصرف الانتباه عن حدث مهم نحو أحداث أهم. وحتى لو اجتمع كل ذلك، وحتى لو هبطت السماء على الأرض، فمسألة انتخاب الرئيس، إن صفت النيات، لا يستغرق إجراؤها ساعة زمن.
إذاً أين العلة؟ إنها ببساطة وبالمباشر، وبدليل الممارسة السياسية اليومية في التسويف والمماطلة والتعطيل المتعمد من قبل فصيل لبناني يسمي نفسه بالممانع، وترتبط وشائجه بكل ما هو مانع للخير والاستقرار وأولهم إيران وتوابعها من نظام سوري متهالك وشراذم لا تنمو إلا على الفوضى، ومن مصلحته/هذا الممانع لكل شيء ما عدا إسرائيل/ إدامة الفراغ والتسيب المستدام لدوام تفلته من القانون والدستور لترسيخ هيمنة دويلة لا تستطيع أن تقوم وتتسيد إلا بغياب الدولة وانعدام السيادة وانحلال مؤسساتها وأولها رئاسة الجمهورية. إنها ببساطة فاقعة: إما رئيس مطواع كعون ولحود يخدم أغراضهم ويبيح لهم كل الوطن، أو لا رئيس مهما طال الزمن. والرئيس اللبناني السيادي الحر يستتبع سلطة” تنفيذية وحكومة سيادية تستطيع النهوض السريع بالبلد. وكلما نهض البلد كلما ضعف هؤلاء، ولذلك لن يسمحوا.
لكن السؤال: كبف لهم أن يتمادوا في هذا الغي دون حسبان العواقب عليهم؟ ذلك لأنهم يدركون جيدا” أن:
١- انحلال لبنان هو مصلحة إسرائيلية قصوى كونه المنافس الأول لها في هذا الشرق من حيث طبيعة نظامه الليبرالي الحر المنفتح والحداثي القائم على حرية الخدمات والتجارة والنقد والنخب والكفاءات… وبضعفه تقوى وتزدهر إسرائيل. ومن يؤدي لها هذه الخدمة؟ أولئك الممانعون!! وفضيحة الترسيم البحري اللبناني مع إسرائيل خير دليل (مقال مستقل في دراسة نشرناه منذ مدة). يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه: ” من كان يحيا بمحاربة عدو ما فله مصلحة في الإبقاء على هذا العدو حيا “.
٢- تخاذل المجتمع الدولي في تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان (١٥٥٩ – ١٦٨٠ – ١٧٠١) والتي ترعى نزع سلاح الميليشيات وتمكين وتسيد القوى الشرعية اللبنانية من الانتشار على كامل تراب الوطن ومسك الحدود بالكامل.
٣- الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، إذ حصرت إيران مفاعيل الاتفاق بسيادة السعودية فقط؛ فالفقرة التي تقول باحترام سيادة الدول في الإقليم، أعلنت إيران بتصريح لسفيرها في بيروت ان هذه الفقرة لا تتجاوز السعودية. وفعلا استمر حزب الله في تحدي كافة القوى اللبنانية وغالبية الرأي العام في تأكيد ترشيحه لفرنجية مهما طال مدة التعطيل. وفي اليمن استمر تسليح الحوثيين وما زالوا يناوشون في تعز، ودون ابداء اي رغبة ببدء المحادثات حول الحل في اليمن. فقط توقفوا عن قصف السعودية بالصواريخ والمسيرات مع تبادل لجزء من الأسرى. اما سوريا فالمسالة حسمت لصالح إيران اذ ان بشار نفسه ليس فقط لا يقدر ان يحد من نفوذ إيران بل لا يرغب في ذلك لأن كل شرعيته انه ممانع وهذه صفة لا ياخذها الا من إيران. وكل ما يمكن أن يساير فيه السعودية هو تخفيض تصدير الكبتاجون. والعراق يبيع الآن اهم مرافق اقتصاده لمؤسسة الإنشاءات الهندسية والزراعة والصحية والاجتماعية التابع للحشد الشعبي مع ميزانية أولية تزيد عن مليارين ونصف توفرها وزارة المال العراقية. لا صواريخ من الحشد ومن إيران ومن اليمن على السعودية ولا مسيرات، هذا كل ما أخذته السعودية.
٤- التحذير الأميركي والأوروبي والتهديد بالعقوبات على كل من يتسبب بتأخير انتخاب رئيس للجمهورية، لا يصاحبه تدابير زجرية ولا يزال مقتصرا” على الشعر والنثر.
قياساً على كل ذلك، فأزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، هي اختصار الصراع بين دولة متهالكة ودويلة عصابة تتغذى على تهالك هذه الدولة. هي أزمة وطن استلبته الغربان وعاثت به الفتن.