الصين في وصايا كيسنجر للرئيس بايدن
بقلم مرح البقاعي - رئيسة تحرير وايتهاوس ان أرابيك
الاستماع للمقال صوتياً
|
اعتاد وزير الخارجية الأميركي الأسبق الملقب بثعلب السياسة الأميركية، هنري كيسنجر، لقاء الرؤساء الأميركيين قبيل دخولهم البيت الأبيض وإسباغ النصح عليهم وتزويدهم بخلاصة التجارب المشهودة التي خاضها بنفسه وخاصة على مستوى العلاقات الدولية المتشابكة.
في هذا السياق التقى مع الرئيس ترامب غداة فوزه في انتخابات العام 2016 عارضا عليه رؤيته للعلاقات الأميركية الخارجية الممكنة في عهده، معربا عن إعجابه بنهجه المختلف عن أسلافه، وقد تنبّأ له في حينها أن يكون “ظاهرة” فريدة في الحياة السياسية، كونه وصل إلى البيت الأبيض حاملا معه الكثير من الأسئلة من خارج أطر المؤسسة السياسية التقليدية.
ومع وصول جو بايدن في العام 2020 خلفاً لترامب، لم يبخل كيسنجر من جديد بتوجيه توصياته للرئيس بايدن وفريقه من خلال مؤتمر “بلومبرغ للأمن القومي” الذي انعقدافتراضيا بعد أسبوعين من انتخاب بايدن رئيسا جديدا للولايات المتحدة.
يرى كيسنجر أن على الرئيس الأميركي التمييز بين سياسة التراخي الاقتصادي والتخفيف من وقع العقوبات على الصين، وبين ما يقابلها من التشدّد الضروري في أحداث تتعلق بعدوان الصين على تايوان، ومحاولات تقويض العقوبات الأميركية والدولية علىكوريا الشمالية، وسرقتها للملكية الفكرية من الجامعات ومراكز البحوث الأميركية، وهجماتها الإلكترونية وتجسّسها عبر قنصلياتها، وحملتها على هونغ كونغ، والإبادة الجماعية “الثقافية” التي تمارس ضد أهل التيبت مرافقة مع الإبادة الجماعية “البشرية” ضد المسلمين الإيغور، وأخيرا وليس آخرا اضطهادها للمسيحيين وكل من يحاول أن ينأى بنفسه عن دوغما الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
تحدّث كيسنجر خلال مؤتمر بلومبرغ عن رؤيته لما يجب ان يكون عليه تعامل إدارة بايدنمع الصين، مشيرا إلى أن على الطرفين اللجوء إلى كل سبل الحوار الممكنة لتجنّب اصطدام عسكري بينهما. وتكون الوسيلة الأمثل لتحقيق الفاعلية والاستدامة في هذا المسعى – برأي كيسنجر- من خلال تعيين قادة للحوار هم موقع ثقة الطرفين، الصيني والأميركي، لمتابعة كل الملفات المعلّقة بين البلدين.
وكيسنجر أعلن في هذا السياق أن بكين “تحتاج إلى الاعتراف بالحساسيات الغربية تجاه ممارساتها اللاإنسانية التي تصل أحيانا إلى ارتكابها للإبادة الجماعية، وتحتاج إدارة بايدن إلى تفهّم حساسيات الصين من الأسلوب الأميركي المتّبع في التعبير عن هذه المخاوف”.
وهنا يطرح كيسنجر من جديد على جو بايدن المعادلة الصعبة التي بإمكانها تحقيق التوازن الاستراتيجي المطلوب في ملفات الصين الشديدة التعقيد، اقتصاديا وسياسيا وإنسانيا وأمنيا؛ بل هو يعيد رسم خارطة التوازنات للإدارة الجديدة كما فعل مع ترامب،لكنه سيترك تحديد الآليات المناسبة لتنفيذها في عهدة بايدن وفريق سياسته الخارجية.
وحين يقول كيسنجر إنه “ليس بالضرورة حل المشكلة بالكامل، ولكن من الضرورة التخفيف من حدّتها إلى مستوى يسمح بالتقدّم نحو الحل”، فهذا يعني أن بايدن سيكون على موعد مع منزلقات ومفارق طرق جديدة مع العملاق الناهض بقوة هائلة: الصين!