خصوم الحقيقة
الاستماع للمقال صوتياً
|
مقال الرأي – خاص وايتهاوس
بقلم تهامة الجندي
“قصص اللاجئين تمسني”، كتب مراسل وكالة الأنباء الفرنسية أرمان سولدين قبل أن يلقى حتفه بالقصف الروسي قرب مدينة باخموت المحاصرة في التاسع من أيار الجاري. رحل الصحافي الفرنسي وهو لا يزال في الثانية والثلاثين من عمره، وكان يجيد الفرنسية والإنكليزية والإيطالية وقليلاً من البوسنية. يعمل قريباً من خطوط التماس، ويركز جهده على نقل معاناة المهجرين، فهو بنفسه كان لاجئًا بوسنيًا في فرنسا قبل أن يبلغ عامه الأول.
سولدين ليس أول صحافي فرنسي يُقتل في أوكرانيا، سبقه فريديرك لوكليرك إيمهوف، كان يعمل لصالح BFM TV، ويغطي عملية إجلاء المدنيين في ليسيتشانسك، حين بدأ القصف الروسي، واخترقت عنقه شظية أردته قتيلاً في 30 أيار 2022.
في العام الفائت أزهقت الهجمات الروسية أرواح عشرة إعلاميين، كان أولهم المصوّر الصحافي الأوكراني يفغيني ساكون الذي قُتل في الأول من آذار إثر استهداف برج القناة التلفزيونية المحلية التي كان يعمل لصالحها، ويبقى 13 آذار من ذاك العام التاريخ الأكثر دموية، حيث استهدفت القوات الروسية أربعة صحفيين أثناء أدائهم لواجبهم المهني.
كان المصور الصحافي الأمريكي المستقل، وصانع الأفلام الوثائقية برينت رينود يُعدّ تقريراً عن المدنيين الفارين من الغارات الروسية حين لقي مصرعه في ضاحية إربين شمال غرب كييف بتاريخ 13 آذار 2022. وفي ذاك اليوم قُتل فريق قناة Fox News المكوّن من المصور الصحافي الفرنسي الإيرلندي بيير زاكرزيوسكي، والمنسّقة الأوكرانية أولكساندرا كوفشينوفا في بلدة هورينكا قرب كييف، وبالتزامن مع الحادثتين اختفى المصوّر الأوكراني المستقل ماكس ليفين، وكان يعمل على تغطية أخبار المقاتلين والضحايا المدنيين لصالح موقع LB.ua الأوكراني ووكالة رويترز.
بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، عُثر على جثة ماكس ليفين داخل غابة قرب قرية هوتا-مييرسكا في الأول من نيسان 2022، وتُظهر الأدلة أن الجنود الروس أعدموه بدم بارد. بعد يوم على تلك الجريمة المروعة عُثر أيضاً على جثة صانع الأفلام الوثائقية الليتواني مانتاس كفدارافيسوش مع إصابة بطلق ناري في رأسه وآخر في صدره، والمعلوم أن القوات الروسية خطفته قبل اغتياله بعدة أيام.
في 23 آذار 2022 قُتلت الصحافية الروسية المعارضة أوكسانا بولينا بطائرة انتحارية مسيرة، وهي تغطي الأضرار الناجمة عن القصف الروسي لمركز تجاري في ضاحية بوديل، وكانت أوكسانا تعمل لصالح The Insider وقبلها عملت في مؤسسة FBK المناهضة للفساد التي أسسها المعارض الروسي المعتقل أليكسي نافالني.
وبالتزامن مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للعاصمة الأوكرانية، لاقت مصرعها المنتجة في إذاعة “أوروبا الحرة” فيرا غيريتش إثر سقوط صاروخ روسي على المبنى الذي تقطنه في كييف بتاريخ 29 نيسان 2022. ولا ننسى في السياق مقتل الكاتبة الأوكرانية إيرينا تسفيلا التي حملت السلاح دفاعاً عن بلدها.
اغتيال الصحفيين واستهداف المدنيين والمباني السكنية والمشافي والمدارس وتخريب البنى التحتية، جرائم حرب ارتُكبت في سوريا قبل أوكرانيا، مع الفارق أن إدارة بوتين كانت تتذرع بمحاربة الإرهاب والدفاع عن السيادة السورية، واليوم تعتدي على سيادة دولة أوروبية بحجة قتال النازيين الجدد.
في سوريا قتلت القوات الروسية 24 ناشطاً إعلامياً ما بين الأعوام (2015-2020)، منهم: وسيم العدل الذي قُتل في قرية بينين/إدلب عام 2015. خالد العيسى قُتل في حلب عام 2016. محمد أبازيد قُتل في درعا عام 2017. فؤاد محمد الحسين قُتل في بلدة ترملا بريف إدلب الجنوبي عام 2018. وأنس دياب في مدينة “خان شيخون” عام 2019.
تتشابه الديكتاتوريات في عدائها للحقيقة، وللإعلاميين الذين يبادرون بإيصالها إلى الرأي العام، فمنذ عام 2011 أودى النظام السوري بحياة 508 إعلاميين، سوريين وأجانب، بينهم: مراسل قناة “فرانس2” جيل جاكيه Gilles Jacquier. مراسلة “صنداي تايمز” الصحافية الأمريكية ماري كولفين Marie Colvin. المصور الفرنسي المستقل أوليفييه فوازان Voisin Olivier. وصانع الأفلام الوثائقية باسل شحادة.
بينما راح ضحية التعذيب في سجون الأسد 47 ناشطاً إعلامياً، منهم: الصحافي-المواطن علي عثمان، رسام الكاريكاتير أكرم رسلان، والمصور أسامة الحبالي، ولا يزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري 387 إعلامياً من ضمنهم الصحافي الأمريكي أوستن تايس.
يُضاف إلى تلك الأرقام الصادمة مقتل 138 ناشطاً إعلامياً على يد مختلف الأطراف المتصارعة، بحيث بلغ إجمالي الضحايا العاملين في حقل الإعلام 715 شخصاً، ما جعل سوريا واحدة من بين أخطر ستة دول على حياة الصحفيين في العالم.