آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

إحياء ’الأبد’ السوري

الاستماع للمقال صوتياً

مقال الرأي – خاص وايتهاوس

بقلم تهامة الجندي

أسفر الاجتماع الاستثنائي الذي عُقد مساء السادس من أيار في القاهرة عن إعلان عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عامًا من صدور قرار تعليق عضويتها، والخبر لم يكن مفاجئا لأحد، فقد سبقته حركة واسعة من الاتصالات والاجتماعات، وحملة إعلامية مدروسة للترويج أن هذه العودة هي لأجل التخفيف من معاناة الشعب السوري، والبحث عن حل سياسي وفق بنود قرار 2254.

الغريب في هذه العودة السريعة أنها لم ترتبط بأي خطوة إيجابية من قبل النظام السوري اتجاه أي من الملفات الحساسة التي كانت ولا تزال موضع النقاش، ولم يسبق التحركات الدبلوماسية التي هيأت لها أي اتصال مع أطراف الثورة والمعارضة وهيئات المجتمع المدني، وكأن خروج سوريا من جامعة الدول العربية هو سبب الكارثة التي حلت بالسوريين، وعودتها هي مفتاح الحل السحري.

يبدو أن ذاكرة الجامعة العربية نسيت أن بنود القرار 2254 تقتضي التفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة تحت مظلة الأمم المتحدة للبحث في عملية الانتقال السياسي نحو الدولة الديمقراطية، عملية من المفترض أن تبدأ بوقف العنف المسلح بين الجهات المتصارعة، والإفراج عن المعتقلين لدى كافة الأطراف، وضمان حرية تنقل الصحفيين والمحققين الدوليين في جميع المناطق السورية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل المتضررين. وهي خطوات تمهيدية لتشكيل هيئة حكم تعددية ذات مصداقية وصلاحيات كاملة، تعمل على ضمان مناخ ديمقراطي آمن لصياغة دستور جديد والاستفتاء عليه، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وعودة اللاجئين الطوعية وفق جداول زمنية محددة، ذلك بالتزامن مع الالتزام بمبدأ المساءلة وتعويض الضحايا وكل ما يتعلق بتطبيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

أغلب السوريين يرحبون بمبدأ الحوار والحل السياسي، ويرغبون في الخروج من عنق الزجاجة التي حُشروا فيها، وكان من المفترض إلغاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول بعد قيام الحكومة الانتقالية، أقله احتراماً لتضحياتهم، وضماناً لتنفيذ بنود الاتفاق، فمنذ بداية الثورة السورية عُقدت سلسلة طويلة من المباحثات الانفرادية والصفقات السرية مع النظام السوري، ولم تُسفر سوى عن المزيد من العنف وهدر الدم السوري، والعالم شهد بأم عينه ما الذي حل بالمناطق التي استعادها النظام، وباللاجئين الذي عادوا إلى سوريا عن طيب خاطر أو الذين أُجبروا على العودة.

انقلابات المزاج السياسي الإقليمي والدولي المتعاقبة أربكت الثورة السورية وأضعفتها، وأوقعت المعارضة في مطبات وأخطاء كثيرة، والمجتمع الدولي سأم من التفكير في تعقيدات الوضع السوري، وهو مشغول بإنهاء العدوان الروسي على أوكرانيا، وربما يشعر الكثيرون ضمنياً بالارتياح لوضع الكرة في ملعب جامعة الدول العربية، ويأملون بنهاية سعيدة للمأساة السورية، ولكن ما الذي يعنيه فك العزلة عن نظام الأسد وإطلاق يديه من جديد غير أن السوريين مقبلين على مجازر جديدة أعتى مما سبقها.

سوف يبدأ نظام الأسد بمعارك ضارية لاستعادة المناطق التي لا تزال خارج سيطرته، ولن يتوانى عن استخدام سلاحه الكيماوي على أرض المعركة، وداخل سجونه التي تغص بألوف المعتقلين. سوف يُجبر اللاجئون في الدول الشقيقة على العودة القسرية، ومن بعدها ستبدأ حملات واسعة لتصفية الشهود من رجال النظام ومن المعارضين في الداخل وفي الخارج لإزالة آثار الجريمة.

الحريات جوهر القضية السورية، والعدالة صلبها، ومن الغبن مكافأة الأسد بدلاً من محاكمته على انتهاكه للشرعية الدولية وحقوق الإنسان، ومن سخرية القدر أن المرحلة المقبلة من استباحة الحق السوري، سوف تتم برعاية عربية خالصة.

تهامة الجندي

صحافية وكاتبة مستقلّة وباحثة مشاركة في وايتهاوس مختصّة بملف حقوق الإنسان.
زر الذهاب إلى الأعلى