ماذا يريد السوريون من العرب؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
بقلم تهامة الجندي – خاص وايتهاوس
تتغير السياسات والعلاقات الدولية عادة بناء على المستجدات والمصالح المشتركة، وهو ما يثير التساؤل حول الوقائع الجديدة التي استدعت ما نشهده من خطوات حثيثة لإعادة العلاقات العربية مع نظام الأسد، كحال الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن وسوريا في عمّان مؤخرًا، بذريعة الوصول إلى حل للأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن 2254.
المفارقة أن الحل يبدأ من عودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى بلدهم كأولوية قصوى، ويعني فعليًا العودة القسرية، وهو ما شرعت به الحكومة اللبنانية منذ بداية أبريل الماضي باعتقال نحو 542 لاجئ سوري، وترحيل 168 منهم، ثلثهم من الأطفال والنساء، جميعهم تعرض لانتهاكات من قبل الجيش اللبناني، وقسم منهم اعتقلتهم قوات الأمن السورية أو خضعوا للتجنيد الإجباري، وهو ما دفع اللاجئ السوري أنس علي المصيطف (26 عامًا) إلى الانتحار شنقًا على خلفية تهديده بالترحيل.
بيان الاجتماع التشاوري أكد أيضًا على ضرورة تعزيز قدرات النظام السوري لاستعادة وحدة أراضيه، والقضاء على الإرهاب، وإخراج الجيوش الأجنبية، والبت في مسألة المخطوفين والموقوفين، ومنع الاتجار بالمخدرات، ما يعني عمليًا تبرئة النظام والاعتراف به وتفويضه ودعمه مع إلغاء للقوى المعارضة على المستويين الداخلي والخارجي وتجاهل مطالبها. فلماذا يجري العبث ببنود القرار 2254؟ وهل النظام السوري راغب وقادر بالفعل على إيجاد حل للأزمات التي صنعها؟ وما الذي تغير في سلوكه حتى يُؤتمن جانبه ويُعول عليه للإيفاء بتعهداته؟
أسئلة بلا إجابات مقنعة، فالمبررات التي أدت إلى حجب الشرعية عن النظام السوري وعزله دوليًا لم تتغير، وبنفسه أثبت ذلك بالملموس تزامنًا مع الاجتماع التشاوري، حيث قتل الجيش الأردني متسللًا سوريًا لدى محاولته تهريب 133 ألف حبة من المواد المخدرة، والسعودية أحبطت محاولة تهريب 5 ملايين حبة كبتاغون. كما سجلت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” 87 حالة اعتقال تعسفي خلال أبريل، بينهم طفل وثلاث نساء. وتم ترقية ثلاثة ضباط وتسليمهم مناصب هامة مع أنهم من المسؤولين عن عمليات القمع والقتل والتهجير خلال السنوات الماضية، وهم: بركات علي بركات، حاتم عباس أبو صالح ورمضان رمضان.
شهدت الدول الأوروبية عددًا من الدعاوي القضائية تثبت تورط مسؤولين سوريين في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منهم أنور رسلان وإياد غريب وعلاء موسى، وأثبت تحقيقًا أجرته وزارة العدل الأميركية مسؤولية الأجهزة الأمنية عن تعذيب وإعدام عاملة الإغاثة ليلى شويكاني. إضافة إلى مخاطرة شهود عيان لنقل الحقيقة إلى المجتمع الدولي، ليس أولها “صور قيصر” ولا آخرها شهادة السوري المُلقب بـ”حفار القبور” أمام الكونغرس الأميركي، وعلى حد تعبير ستيفن راب، فإن مجموعة الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد تتجاوز بكثير الأدلة المقدمة ضد قادة ألمانيا النازية في نورمبرج.
نظام الأسد هو سبب الكارثة واستعصاء الحل، والعلاقة به كلها مخاطر بلا مكاسب، فلماذا الإصرار على التطبيع معه؟ ولعل الإجابة ترتبط بملف الانتهاكات الأسود الذي تتقاسمه بعض الدول العربية، وهي باتت تدرك أنها إن سمحت بفتح الملف السوري سيأتيها الدور عاجلًا أم آجلًا.
ما يجري الترتيب له عمليًا هو طي صفحة الحقوق والمعارضات، واستعادة النظام العربي القديم بوجهه الأكثر ديكتاتورية من خلال عقد تحالفات جديدة مع دول مشهود لها بقمع المعارضين والتضليل الإعلامي والترويج لذهنية المؤامرة مثل روسيا والصين وإيران. وهذا لن يحل الأزمة السورية بل سيزيد الأوضاع تعقيدًا وسوءًا، وسيشعل حروبًا لن تهدأ في العالم العربي، وقد بدأت بالفعل مع اندلاع الحرب في السودان برعاية خفية من روسيا، بعد أن أدركت أن حربها في أوكرانيا لن تسفر عن مكاسب تُذكر.
كان على جامعة الدول العربية منذ بداية “الربيع العربي” أن تضع حرية التعبير وملف المعتقلين ضمن أولوياتها، وأن تبتكر آليات للضغط والمسائلة والمحاسبة لإلزام الأنظمة العربية بالحد الأدنى من الحريات والشفافية ونزاهة القضاء، فالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هي الحصانة الوحيدة للتداول السلمي للسلطة وحل الأزمات، وهي السبيل للتنمية وإحلال السلام على المستويين العالمي والعربي.