الحب في ’إدلب’ السورية يفوز في ’كان’ الفرنسية
الاستماع للمقال صوتياً
|
مهرجان كان – خاص وايتهاوس إن أرابيك
بقلم تهامة الجندي
قبل أيام فاز الفيلم السوري “أماني وراء الخطوط” بالجائزة الأولى في مهرجان كان الدولي للوثائقيات المتسلسلة (Canneseries).
والفيلم ناطق باللغة العربية، من إنتاج بلجيكا، فرنسا، لكسنبرغ، ألمانيا وهولندا عام 2023، يحمل توقيع المخرجتين أليسار حسن وآلاء عامر، ويتمحور حول أماني العلي، أول رسامة كاريكاتير في إدلب، وربما الوحيدة في الشمال السوري.
“أماني وراء الخطوط” هو الحلقة الأولى من سلسلة وثائقية تضم ستة أجزاء بعنوان “ارسم من أجل التغيير” (Draw for Change)، في سياق مشروع تلفزيوني أطلقته فنسنت كوين وغيوم فاندنبرغ، يتناول الأثر الفني والاجتماعي لست رسامات كاريكاتير ينشطن دفاعًا عن حرية التعبير والمساواة بين الجنسين، وينحدرن من الولايات المتحدة، المكسيك، روسيا، الهند، مصر وسوريا. وبحسب النشرة المرفقة بالسلسلة فالأجزاء الستة تمزج الوثيقة المصورة بالرسوم المتحركة للتعبير عن التهديدات وأشكال العنف التي تتعرض لها النساء.
مقدمات الفيلم تثير الفضول والاهتمام، وتلقي بظلالها على مختلف التفاصيل، فالمخرجتان من أعضاء شبكة “ماري كولفن للصحفيات”، أليسار حسن أسست إذاعة “صوت الراية” (2012-2016)، وأسهمت في تأسيس “تلفزيون سوريا”، وكتبت سيناريو فيلم “الكهف” الذي رُشح للأوسكار عام 2020، وهي تقيم في ألمانيا. أما آلاء عامر فهي إعلامية تكتب في الشأن السياسي وقضايا المرأة، وتقيم في اسطنبول.
أماني العلي، الشخصية المحورية التي يروي الفيلم قصتها خلال 70 دقيقة، تمتلك تجربة حياتية غنية ومتعددة الألوان، فهي رسامة متمردة وناشطة نسوية مع أنها تعيش في مدينة ذات طابع اجتماعي محافظ. تخرجت في معهد هندسة الكومبيوتر، وبدأت تهتم بفن الكاريكاتير مع بداية الثورة السورية، وتعلمت تقنياته بمساعدة أستاذ خاص من دون علم أهلها الذين كانوا يعارضون رغبتها في دخول مجال الفنون الجميلة.
من مدينتها المحاصرة بدأت بنشر رسومها في موقع “سوريتنا” عام 2017، ثم انتقلت إلى “حرية برس” و”العربي الجديد”. شاركت بمعرض مشترك في هولندا عام 2018، وأُقيم لها معرضان فرديان، الأول بمدينة مانشستر في بريطانيا عام 2019، والثاني بمدينة سانت جاكوت دي لامير في فرنسا. ومنذ فترة افتتحت مشغلًا خاصًا بها في إدلب لصناعة الشموع بأشكال فنية.
رسوم أماني تنتقد الإشكالات السياسية والاجتماعية، وتدين العنف بكافة تجلياته لاسيما الموجه ضد المرأة. تستلهم موضوعاتها من الواقع وتعكس وجع السوريين منذ صرخة الحرية الأولى، وحتى تسلط الفصائل المسلحة والجماعات المتشددة على الحياة المدنية في المناطق المحررة، مرورًا بجرائم الأسد وحلفائه ضد المدنيين، من القتل والاعتقال والتهجير واستخدام الكيماوي والأسلحة المحرمة، إلى المحاولات المتلاحقة للتطبيع مع النظام السوري.
موضوعات ساخنة، تحمل رسائل احتجاج مباشرة تعالجها أماني بأدوات تعبيرية أقرب إلى التجريب منها إلى قوانين الفن، تستخدم الألوان والخطوط البسيطة، وتُدخِل عبارات مكتوبة، بحيث يبدو الرسم واضحًا للمتلقي، فغايتها هي لفت الانتباه إلى الانتهاكات والسلبيات بقصد تجاوزها، غير آبهة بالضغوط التي تواجهها جراء انتقادها للأوضاع في مجتمع أبوي لا يحبذ تدخل المرأة في الشأن العام.
بدأ تصوير الفيلم أواخر عام 2019، ومنذ المشهد الأول تتلقى أماني اتصالًا هاتفيًا من المخرجتين لإبلاغها بعدم قدرتِهما على القدوم إلى إدلب بسبب خطورة الوضع، وأن من سيتولى مهمة التصوير هو عبده فياض، وكان على الرسامة أن تقنع أهلها بالسماح للمصور الشاب أن يدخل بيت العائلة لتصويرها، ولم يكن إقناعهم بالأمر السهل بحسب شبكة ماري كولفن للصحفيات.
لم يعتمد التصوير صيغة المقابلة وطرح أسئلة تجيب عنها أماني وهي أمام الكاميرا، كان عبده يقضي ساعات طويلة في منزلها، وهو يتابعها بعدسته تتأمل وتصوغ رسوماتها، يتابع علاقتها بأهلها وبـ ابنة شقيقتها بيسان، ويرصد أسلوبها في التعامل مع النساء اللاتي تدرسهن الرسم، ومع محيطها الخارجي. يلتقط تفاصيل حياتها، ثم يرسل المشاهد المصورة إلى المخرجتين للتدقيق والتوجيه واستكمال العمليات الفنية عن بعد.
أسلوب في العمل يستغرق الكثير من الوقت، لاسيما حين يتزامن مع بعض المعوقات مثل النقص في مستلزمات التصوير وتفشي وباء كورونا. هكذا استمر التصوير ثلاثة أعوام، خلالها وقع عبده في غرام أماني وتزوجها، ما أضفى على قصة الفيلم بعدًا دراميا مباغتًا، استطاع أن يوصل رسالة حب إلى العالم من مدينة منسية تعاني التضييق والحرمان.