من كورش إلى إسرائيل
الاستماع للمقال صوتياً
|
مقال رأي بقلم مرح البقاعي
“من بني كورش إلى بني إسرائيل، سنبني هذا المستقبل معاً، في صداقة”.
هكذا غرّد نجل إمبراطور إيران الأسبق، رضا بهلوي، إثر وصوله وزوجته إلى مطار بن غوريون في إسرائيل، حيث كان في استقباله في المطار الواقع بالقرب من تل أبيب، وزيرة المخابرات، جيلا جمليئيل، التي تستضيف بهلوي خلال وجوده في إسرائيل.
يبدو أن بهلوي أراد من خلال استعماله هذه المقاربة بين الملك الفارسي كورش الذي سمح لليهود بالعودة إلى صهيون من المنفى في القرن السادس قبل الميلاد، وبين أبناء دولة إسرائيل الحالية، أن يشير إلى الروابط التي تجمع بين الشعبين الفارسي واليهودي، والتي تعود جذورها إلى قرون مضت.
وقد شارك بهلوي في وقت لاحق من وصوله إسرائيل في المراسم الرسمية ليوم ذكرى المحرقة في ياد فاشيم القدس، وعاد ليكتب على حسابه في تويتر بهذه المناسبة: “كما قال الكاتب إيلي ويزل: لا أمل بدون ذاكرة”.
وفي قراءة سريعة للتاريخ غير البعيد، تخبرنا الذاكرة السياسية أن إسرائيل في عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي أطيح به في انتفاضة شعبية عام 1979 قادها الإمام آية الله الخميني من منفاه في باريس، كانت تتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، لا سيما في مجالين حيوين في قطاع الطاقة و منظومة الأمن.
إلا أنه منذ وصول الخميني وجموع الملالي المتشددين وإحكام قبضتهم على الحكم في طهران، انقلبت المعادلة تماماً، وتحوّل صديقا الأمس إلى عدوّين لدودين، حيث انطلقت دعوات القادة الإيرانيين الجدد عالية تدعو إلى تدمير الدولة اليهودية ودعم الجماعات المسلحة العابرة للحدود التي تلتزم بهذا الهدف.
تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل متواصل، بينما سعت إسرائيل لعزل حكومة طهران دولياً والعمل مع حلفائها على منعها من التقدّم في برنامجها النووي الذي سينتهي إلى تحقيق أغراض عسكرية بحتة وإنتاج سلاح نووي استراتيجي ستعمل طهران على استخدامه في بسط سلطتها على جيرانها في المنطقة، والاستيلاء “فعلياً” على عواصم عربية جديدة من خلال نشر ميليشياتها عبر الحدود وهي بمعظمها مجموعات مقاتلة مشتقة من الحرس الثوري الإيراني.
عسكرياً، تقوم إسرائيل اليوم بمواجهة شرسة للحرس الثوري ومشتقاته المنتشرة في المنطقة على أرض ثالثة هي سوريا، حيث تتعرض مواقع الحرس العسكرية ومخازن أسلحته بشكل متواتر لضربات سلاح الجو الاسرائيلي منعاً من انتشار ميليشياته الطائفية على طول حدود إسرائيل الشمالية.
وفي العودة إلى الحدث الذي نرغب بقراءته سياسياً، ألا وهو الزيارة التي يقوم بها رضا بهلوي إلى إسرائيل ودلالاتها في هذه المرحلة بالذات، لابد لنا من المرور بسرعة على شخصية بهلوي منذ مغادرته إيران. فقد غادر بهلوي إيران وهو يافع في السابعة عشر من عمره بهدف الالتحاق بمدرسة للطيران العسكري في الولايات المتحدة، وكان هناك حين تخلى والده محمد رضا بهلوي عن العرش وانتقل إلى المنفى.
بهلوي الذي يقيم في الولايات المتحدة منذ انتقاله إليها حتى اليوم، ومن خلال موقعه الأسبق كولي لعهد والده الشاه، دعا إلى ثورة سلمية في بلاده إيران وإلى نظام برلماني يقوم مقام الحكم الثيوقراطي المطلق للملالي، وكذا إلى تكريس حقوق الإنسان كأولوية في إدارة البلاد وتحرير الاقتصاد المتهاوي تحت ضربات العقوبات الأميركية المتصاعدة.
إذاً، لماذا دعوة بهلوي إلى اسرائيل في خضم الظروف الإقليمية والأحداث المتسارعة وفي مقدمتها المصالحة السعودية الإيرانية برعاية وضمان من الصين، وكذا في غياب أية دينامية دولية للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية مع طهران، وقد وصل النشاط النووي في مفاعلاتها إلى مسافة خطوة واحدة من إنتاج السلاح النووي؟
من الصعب أن نصدّق أن الانقسامات السياسية في الحكومة الاسرائيلية لأسباب تتعلق بإصلاحات داخلية يريد نتنياهو فرضها على نظام القضاء بما عرّضه لأزمة قد تعصف بموقعه على رأس الحكم، بأنه سينشغل عن الخطر الإيراني القابع على حدوده الشمالية مع لبنان وسوريا، وأنه لا بد له كي يستعيد بعضاً من التأييد الشعبي من أن يقدّم تصوراً جديداً ومبتكراً لحلول في المنطقة تضمن أمن إسرائيل من عداء إيران المستطير، ولاسيما بعد انهيار جدار الخصومة بين حكومة طهران والدولة الأعظم في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية.
من هنا لجأت تل أبيب إلى المناورة السياسية بالقفازات البيض، ومنه قررت دعوة بهلوي بشكل رسمي وعلني نقلته وسائل الإعلام، وكذا تأييد حملته المضادة لسيطرة طبقة الملالي على الحكم ومن ورائهم الذراع العسكري الموصوم بالإرهاب – الحرس الثوري الإيراني، وربما تأمين ظهره إذا كان يسعى إلى ما هو أبعد من معارضة الحكم إلى إسقاطه.
فصل المقال يكمن في حالة الاستيعاب الدبلوماسي العربي لإيران الذي تقابله كماشة تنتنياهو/بهلوي يعدّ لها الإسرائيليون العدّة.
تلك الحالة المتصاعدة في المناخ الإقليمي قد تكون المشهد الأكثر إثارة في المنطقة، المشهد الذي يختلط بين مصالحات عربية بينية وأخرى عابرة للحدود، وبين انقلابات عسكرية تنذر بالأسوأ على طول سواحل البحر الأحمر العربية إثر اندلاع حرب الجنرالات في السودان، إلى تسارع مسيرة تطبيع عربي مع إسرائيل انطلقت من اتفاقات أبراهام.. وتتمدد؛
تلك الأحداث مجتمعة ستشكّل وهج الآتي على المنطقة مختلطاً بين نار ونور، وما علينا سوى الانتظار ومتابعة المشهد.