آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

الجاسوس

نتفلكس الأميركية والوعي البصري العربي- 2

الاستماع للمقال صوتياً

واشنطن – خاص وايتهاوس إن أرابيك

مقال رأي بقلم نشمي عربي

في دخولٍ قوي على قضايا الشرق الأوسط الغامضة عرضت منصة نتفلكس بدءاً من أيلول/سبتمبر 2019 مسلسل The Spy (الجاسوس), وهو يتحدث عن عميل الموساد “إيلي كوهين” الذي ألقي القبض عليه في دمشق مطلع عام 1965 وأعدم قبيل منتصف العام نفسه رغم وساطات دولية كبيره.

العمل إنتاج مشترك بين نتفلكس وشركة الإنتاج الفرنسية Légende Entreprises لحساب نيتفليكس وقناة +Canal الفرنسية, وتمتلك نتفلكس حقوق بثه العالمية.

كان مهماً أن جهتي الإنتاج (نظرياً) لاتنتميان لأي من طرفي النزاع العربي-الإسرائيلي، أما واقعياً فالأمر مختلف تماماً، فشركة Légende Entreprises شريكة نتفلكس بالإنتاج، مملوكة للفرنسي “ألين جولدمان” الذي كان هو المنتج الفعلي للعمل.

ينتمي “ألين” (أو إيلان بالعبرية) لعائلة يهودية فرنسية عريقة في عالم السينما، فجده كان أول مندوب لـ Universal Pictures في فرنسا، كما كان والده مديراً عاماً لـ United International Pictures، وكلا الشركتين الأمريكيتين من أعمدة صناعة وتوزيع السينما العالمية.

في شبابه المبكر انتمى “ألين” إلى حركة BETAR (الشبيبة الصهيونية) التي أسسها “فلاديمير جابوتنسكي” الأب المؤسس ل (الصهيونية التصحيحية) التي انبثقت عنها منظمة “إيرغون” وحركة “حيروت” التي ستشكل فيما بعد أحد أعمدة حزب “الليكود”، وفي سن الثامن عشرة يترك “ألين” فرنسا ليهاجر لإسرائيل ليتلقى بعض التعليم الجامعي فيها، قبل أن يعود لفرنسا ويؤسس شركة “Légende Entreprises”، شريكة نتفلكس في صناعة المسلسل، واللتان اختارتا المؤلف والمخرج الإسرائيلي “جدعون راف” ليكون هو كاتب النص والمخرج.

يعتبر “جدعون راف” اسماً مرموقاً في السينما الإسرائيلية والأميركية فهو مؤلف ومخرج العمل المعروف “Prisaners of War” الذي حاز عام 2010 جائزة ‏”Israeli Academy Award for Television” وهو يروي قصة ثلاثة جنود اسرائيليين اختفوا خلال قيامهم بمهمه سرية في لبنان، والذي تحول في نسخته الأميركية إلى المسلسل المشهور Homeland بتعاون بين “راف” وشبكة “شوتايم” الأميركية وتم تصويره بين “نورث كارولينا” و “تل أبيب”.

“راف” الذي يعيش هو وشريكه المثلي ويتنقل بين لوس انجلوس وتل أبيب كان قد خدم في سلاح المظلات في قوات جيش (الدفاع) الإسرائيلي، قبل أن يلتحق بالدراسة بجامعة تل أبيب ويحصل منها على شهادة في صناعة السينما.

اعتمد “راف” في كتابته للنص على كتاب (الجاسوس القادم من إسرائيل) للصحافي الإسرائيلي “أوري دان” بالإشتراك مع “بن بورات” والذي نشر بالفرنسية بعنوان (L’espion qui venait d’Israël ).

“دان” الذي عمل مراسلاً للتابلويد الأميركية (نيويورك بوست) في إسرائيل كان معروفاً بقربه من أرييل شارون رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق وسبق له العمل كمتحدث رسمي لهُ وألَّف كتاباً عنه.

أسند “راف” دور البطولة الذي يجسد شخصية إيلي كوهين للممثل البريطاني الكوميدي”ساشا بارون كوهين” المعروف بأدائه للشخصيات الوهمية الشهيرة (بورات ساجدييف، علي جي، برونو جيرهارد، والأدميرال جنرال علاء الدين) وغيرها.

في مسيرته الحافله كممثل كوميدي عالمي حاز ساشا كوهين على جوائز مهمة عديده، مثل جائزة “The British Academy Film Awards” لعامي 2000 و 2001، وكذلك جائزة“BAFTA Charlie Chaplin Britannia Award for Excellence in Comedy”.

تمكن ساشا أيضاً من الحصول لمرات عديدة على جائزة “Golden Globe Award”، وفي عام 2018 (أي في الفترة التي كان يقوم فيها بتصوير مسلسل الجاسوس) اعتبرته مجلة التايمز واحداً من أهم ثلاثين كوميدياً عالمياً على قيد الحياة.

كنت قد تابعت العمل فور عرضه على منصة نتفلكس، وأعدت مشاهدته كاملاً في وقت لاحق، وأثناء تحضيري لسلسلة المقالات هذه وجدت أنه من المهم أن أعيد مشاهدة العمل كاملاً مرة أخرى، وعندما فعلت بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على مشاهدتي الأولى، انتابني شعور خاص وغريب دفعني لتتبع سيرة الممثل الرئيسي “ساشا كوهين”..!! ربما أضاف لهذا الشعور ماعلمته لاحقاً بأن “ساشا” شارك المخرج وواضع النص “راف” في إضافة حوارات معينه للعمل، وفي تتبعي لمسيرة “ساشا” وجدت بعض المعلومات اللافتة التي ربما حملت تبريراً للرغبه التي دفعتني للتعرف على عالمه عن كثب.

ولد ساشا عام 1971 في منطقة (هامرسميث) في لندن لعائلة بريطانية يهودية مثقفه، والده تاجر ألبسة من أصول بيلاروسية عمل أيضاً كمحرر، ووالدته مصورة فوتوغرافية من أصول ألمانية ولدت وشبت في حيفا خلال حقبة الإنتداب البريطاني بعد فرار والدتها مدرسة رقص الباليه من ألمانيا ونجاتها من معسكرات الموت النارية، الأمر الذي سيترك أثراً مهماً في شخصية ساشا الذي اختار دراسة التاريخ بتركيز لافت على مواضيع (معاداة السامية)، أطروحته للتخرج من كامبردج كانت عن (الدور اليهودي في حركات الحرية المدنية الأميركية) ونال عليها مرتبة الشرف من الدرجة الثانية.

يقدم ساشا نفسه كيهودي حرص على هويته الدينية التي يغلب الطابع الإجتماعي فيها على الديني، بمايتوافق مع توجهاته السياسية الليبرالية إلى حدٍ ما، الأمر الذي انعكس حتى على رؤيته للصهيونية التي أبرزت منحاها (العمالي-الإشتراكي)، ربما من هنا كان اشتراكه كطالب في العروض التمثيلية التي تقدمها حركة الشبيبة العمالية الصهيونية (هابونيم درور) أهم حركة شبابية ثقافية يهودية اشتراكية صهيونية.

في عام 2015 تبرع الممثل “ساشا كوهين” وزوجته الممثلة الأسترالية “إيسلا فيشر” بمبلغ نصف مليون دولار أميركي لمنظمة حماية الطفولة العالمية لتمويل لقاح الحصبة للأطفال السوريين في الشمال السوري، كما قدما تبرعاً آخر بنفس القيمة للمنظمة الدولية لحماية اللاجئين (International Rescue Committee) على أن يستخدم لمساعدة اللاجئين السوريين.

كان أمراً ضرورياً أن أبذل جهداً لوضع القاريء بصورة المناخات الفكرية والسياسية لأهم القائمين على المسلسل الذي يتحدث عن عميل الموساد “إيلي كوهين” بكل ماحملته من تباينات لافتة، الأمر الذي أعتقد جازماً أننا سندركه بوضوح في الجزء القادم من سلسلة المقالات هذه.

في المقال القادم:
هل دعم المسلسل رواية الموساد؟
أم شكك بها؟
هل حمل المسلسل أكثر من رواية؟ بأكثر من هدف؟
إذا كانت رواية المسلسل بعيدة عن الواقع في نقاط عديدة فما هي الظروف الحقيقية لتجنيد إيلي كوهين كجاسوس لصالح الموساد؟ وماهي ظروف قدومه لسورية وعمله التجسسي فيها؟
والأهم من ذلك ماهي الأحداث الحقيقية التي أدت لكشفه وإلقاء القبض عليه؟
يتبع …

زر الذهاب إلى الأعلى