آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

نتفلكس الأميركية والوعي البصري العربي

الاستماع للمقال صوتياً

واشنطن – خاص وايتهاوس إن أرابيك

مقال رأي بقلم نشمي عربي

لايوجد في الولايات المتحدة وزارة إعلام ولا أجهزة تتبع لها أو تشرف عليها، وبالتالي ليس هناك سياسة إعلامية تمثل الإدارة الأميركية، هناك منصب ال press secretary وهو ليس أكثر من متحدث رسمي باسم البيت الأبيض والرئيس شخصياً، يجيب على أسئلة الصحفيين ويصدر تصريحات مقتضبة تشرح مواقف الإدارة من بعض القضايا.

باستثناء حالات خاصة جداً مثل إذاعة “صوت أميركا” وقناة “الحرة” وبعض المحطات الموجهة إلى كوبا وإيران مثلاً، فإن (الميديا) في الولايات المتحدة تقوم على شركات خاصة لا تتبع للإدارة بأي شكل ولاتتلقى دعماً مالياً منها، وبالتالي فهي لاتخضع لتأثيرها، ربما العكس هو الصحيح، وأن الإدارة تتأثر بالميديا بأشكال متعددة، ربما كان المثال الأكثر حدةً عليها هو فضيحة الووترجيت التي أثارها كل من “كارل برنستين” و “بوب وودورد” الصحفيان في جريدة “واشنطن بوست”، وأجبرت الرئيس نيكسون على الإستقاله من رئاسته الثانية، واحتمال دخوله السجن لولا أن أصدر خَلَفَهُ الرئيس فورد عفواً خاصاً عنه، هو من صلاحياته الدستورية.

الأمر نفسه ينسحب على السينما التي مامن جهة حكومية تشرف عليها أو يحق لها التدخل في شؤونها، هذا الإستقلال الكامل ساعد في صنع أسطورة هوليوود كرمز لصناعة السينما العالمية، وهاجساً للإدارات الأميركية المتعاقبة، لتوجهها الليبرالي عموماً وقدرتها الأكيدة على التأثير في المزاج الإنتخابي لعموم الأميركيين.

في المخيال العربي عموماً، ولدى من اكتمل وعيهم في دول ذات حكم شمولي خصوصاً، يصعب على المتلقي الاقتناع بأن مايجري تداوله في الصحافة المقروءة أو المسموعة أو المرئية، يمثل توجهات الصحف أو المحطات التي تقف وراءها، وليس حكومات بعينها، كذلك الأمر بالنسبة للشركات المنتجه للأفلام، والتي لاتخضع (في الحالة الأميركية) لتوجهات أية جهةٍ وصائية أو رقابية حكومية على الإطلاق، وإذا كانت السينما الأميركية ولفترة طويلة هي السينما العالمية الوحيدة حقاً، فإن ذلك يستند إلى الحجم الهائل لسوق السينما الأميركية، ومن هنا فإن اعتبارات السوق بين الربح والخسارة ستكون هي دوماً الأكثر تحكماً بتوجهاتها.

صناعة الفيلم السينمائي أو العرض التلفزيوني أمر معقد ومتشابك، تتداخل فيه تأثيرات الشركة المنتجة والممولة والمنفذة، والذين ليس من الضروري أن يكونوا جهة واحدة، بل على الغالب جهات مختلفه ومتعددة، لكل منها رؤاه وتوجهاته الخاصة، لتأتي بعدها مركزية دور النص، ومن ثم تقنيات تنفيذ المادة الفنية بين جهة الإخراج التي تتألف غالباً من مخرج رئيسي يضع الصورة العامه للعمل وخطه البياني، يعاونه مخرجون تنفيذيون مهمتهم تحويل رؤيته إلى واقع حسي ملموس من خلال آليات فنية معقدة وطواقم لاتنتهي من الفنيين والاختصاصيين كلٌ في مجاله، ليتجلى ذلك كله في طريقة أداء الممثلين التي تطغى على المظهر العام والنهائي للعمل، خصوصاً عندما يكون الحديث عن أسماء كبيرة ولامعه في عالم التمثيل.

استناداً لهذه الآليات المعقدة والمتشابكة، فإنه من الطبيعي والمنطقي أن تكون هناك حدود لمدى قدرة الأطراف المشتركة في العمل على التأثير فيه أو دفعه في اتجاه ما، دون غيره، ولأن تقليعة (الإرشاد القومي) ليست موجودة في العقلية الغربية عموماً والأمريكية خصوصا، يبقى السوق وعامل الربح والخساره هو المتحكم الرئيسي في سيرورة أي عمل سينمائي أو تلفزيوني.

مع التطور التقني الهائل الذي شهده الغرب في مجال الاتصالات وثورة المعلومات ظهرت منصات مهمة جعلت متابعة الأعمال السينمائية والمسلسلات أمراً في متناول الجميع ولايتطلب مغادرة المنزل، وبرسوم منخفضة جداً مقارنةً بمداخيل المستهلك في الغرب، وفي مناطق عديدة أخرى من العالم.

بين هذه المنصات تنفرد “نتفلكس” باستحواذها على سوق هائل لمايقارب 231 مليون اشتراك مدفوع منتشرين فيما يربو على 190 بلداً حول العالم، ممايعني بالضرورة أن أرقام المتابعين الفعليين لمواد نيتفلكس قد تكون أضعاف هذا الرقم.

سوق بهذه الضخامة جعل “نتفلكس” بوضع مريح لتقوم بإنتاج مواد خاصة بها، فبين عامي 2013-2022 تمكنت المنصة من الإنتاج الكامل لحوالي 1500 عمل سينمائي/تلفزيوني، وتمتلك الشركة مجموعة استوديوهات خاصة بها في منطقة “ميسا ديل سول” في مدينة “ألباكوركي” بولاية “نيوميكسيكو”، إضافة لمساحة إنتاج كبرى في مقر الشركة الرئيسي في وسط “السيليكون فالي” بمقاطعة “لوغاتوس” في ولاية كاليفورنيا، وتواجد في قلب هوليوود في Sunset Bronson Studio في “لوس أنجلوس”.

إضافة للمواد التي تقوم نتفلكس بإنتاجها بالكامل فهي تشترك مع شركات إنتاج أخرى في صنع أعمال، أو تقوم شركات إنتاج أخرى بإنتاج أعمال خصيصاً لنتفلكس، أو أن نتفلكس تشتري أحياناً حقوق بث حصرية لأعمال مختلفه من شركات إنتاج عديدة.

في أجزاء قادمة من هذا المقال سأتحدث عن الطريقة التي تناولت بها نتفلكس مواضيع المنطقة العربية وسأبدأ بالعرض التلفزيوني من ستة حلقات الذي بثته عام 2019 بعنوان The spy (الجاسوس)، والذي كان إنتاجاً مشتركاً بين نتفلكس وشركة الإنتاج الفرنسية Légende Entreprises لحسابها ولقناة +Canal الفرنسية، ويتحدث عن قضية الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي ألقي القبض عليه وأعدم في دمشق عام 1965.

يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى