مالكيليكس.. عندما تحكم العقلية الطائفية العراق
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتبت ريهام الحكيم
وايتهاوس إن أرابيك – مكتب العراق
ستة تسريبات صوتية نسبهم، علي فاضل الناشط والمعارض العراقي المقيم في الولايات المتحدة، إلى رئيس الوزراء السابق وزعيم “إئتلاف دولة القانون” نوري المالكي دون أن يفصح عن طريقة حصوله عليها. سرعان ما ضجت بعدها الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية في العراق، بالتعليقات والتحليلات والتكهنات.
نُسب للمالكي القول بأن العراق مُقبل على “حرب أهلية طاحنة” لن يخرج منها إلا بإسقاط مشروع مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وأن المرحلة القادمة مرحلة قتال، لافتا إلى أنه أعد العدة وتم تجهيز خمسة عشر فصيلًا مقاتلًا.
وبالرغم من تكذيب المالكي لتلك التسريبات ووصفه لها بـ “المفبركة”، إلا أن التعامل معاها جماهيريا على أنها نسبت له، و ثمة قناعة بين غالبية المتابعين أن الكلام الوارد في تلك التسريبات حقيقي، لنبرة الصوت وكذلك أسلوب الحديث وطبيعة الأفكار.
التسريبات كانت على ستة أجزاء، تضمنت ذكر المالكي لمحاولة شق البيت الشيعي من قِبل الأكراد، ووصف سُنة العراق بـ”الحاقدين” و”الجبناء” إلا القلة منهم.
وقال أنه مستعدًا لمحاربة “النجف” بالإشارة إلى مقر إقامة زعيم “التيارالصدري” مقتدى الصدر.
وقال المالكي ايضا أن “الشيعة في خطر، لأن البعثيين الآن ارتقوا مراتب خطيرة، ودخلوا في صلب الدولة، وأنشأوا أحزاباً تحت عنوان (تقدم)، الذي يتزعمه محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الحالي”.
من هو نوري المالكي؟
أختير نوري المالكي لرئاسة الوزراء في العراق عام 2006، وكان خيارا أمريكيا شيعيا مشتركا، وقد أُختير على أسس وفقها أنه عروبي وغير خاضع للتأثير الإيراني، وأنه سياسي إسلامي قريب من المزاج الشعبي الشيعي المنسجم مع الولايات المتحدة حينها.
في البداية، بدا المالكي وديعا ومطيعا ومبتدئا، وسرعان ما تحول تدريجيا إلى مركز قوة متنامية، وعمل على تمكين أقاربه وأتباعه من الوصول إلى مراكز مهمة في الدولة، واتباع توجيهاته وتنفيذ أوامره، حتى أصبح الآمر الناهي في كل مؤسسات الدولة، وتمكن من تهميش القوى الشيعية الأخرى كالمجلس الأعلى والتيار الصدري وحزب الفضيلة.
وبحلول الانتخابات البرلمانية الثانية عام 2010، شكَّل المالكي قوة سياسية ومؤسساتية قاهرة، نجح بعد تسعة أشهر من الصراع والمناورات وتدخل المحكمة الإتحادية والقوى الإيرانية والأمريكية، رضخت القوى الشيعية والسنية إلى إرادة المالكي، فشكَّل حكومته الثانية، المكونة من 45 وزيرا لتكون أكبر حكومة في تاريخ العراق. ثم عاد وقلص عدد الوزراء إلى 33 وزيرا تحت ضغوط شعبية ودولية.
حكومة المالكي الثانية كانت كارثة على العراق والمنطقة والعالم، بعد تفرده بالسلطة واستخدامه أجهزة الدولة، وخصوصا القوات الأمنية، ضد خصومة السياسيين، وتوظيف خطاب طائفي حاد، وانتشار الفساد المالي والإداري في عهده في سياق الارتفاع الهائل لأسعار النفط حينها وتوفر موارد مالية كثيرة في الخزينة العراقية، ما عرف باسم “الموازنة الإنفجارية”.
وانتهت فترة حكمة بكارثة سقوط ثلاث محافظات بأيدي ما عرف بـ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وكادت ثلاث أخرى أن تسقط لولا أن هبَّ العراقيون، ومعهم المجتمع الدولي، لنجدة العراق وتخليصه من فكي الإرهاب.
عقلية المؤامرات
كشفت تسريبات المالكي عن العقلية التي تدار بها العملية السياسية في العراق، وأنها عبارة عن مؤامرات وعمل لصالح الأحزاب فقط، دون الإكتراث لأي عمل وطني.
عقلية المؤامرة، التي تسيطر على الجميع، والعداء المستحكم بين جميع الأطراف، وتوجيه الجهد نحو مواجهة الخصوم، بأي وسيلة لتحقيق الغاية، سواء شرعي أم غير شرعي، مع غياب العدالة، والتحقيقات القضائية المستقلة، وهو ما يعني أن الطائفية والمناطقية هي الحاكمة.
التسريبات كانت خليط من الروح المؤامراتية، والطائفية، والعشائرية، ولغة واثقة وصريحة لا تخلو من التهديد والإستعداد لاستخدام العنف، والترهيب وتمحور شديد وضيق حول الذات وإنفصال فادح عن الواقع.
في هذا الإطار يرى رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الأستراتيجية، أحمد الياسري، أن “دلالات التوقيت لظهور تلك التسريبات، هو بسبب تقدم المالكي نحو خطوة تشكيل الحكومة الثالثة له، عقب إنسحاب الصدريين، وهو ما يمثل تحدياً للشعب العراقي، وأهالي مدينة الموصل وأهالي مذبحة (سبايكر)، ويذكر العراقيين بالانهيار الذي تعرضت له الدولة العراقية في عصره والذي يتحمله المالكي بصورة شخصية، وهو ما استخدمه المالكي بتسخير الآلة الإعلامية لتصوير سقوط الموصل بأنه “مؤامرة دولية”.
التسريبات أثبتت أن ما حدث في عام 2014 لم يكن مؤامرة دولية ولكن كان مؤامرة داخلية يقودها حزب “الدعوة” أو قادها ونفذها قائد حزب “الدعوة” نوري المالكي. يقول الياسري.
وبسؤاله عن مستقبل المالكي السياسي، صرح الياسري لموقع “وايتهاوس أن آرابك”، بأن المالكي ميت سريرياً وشبهه بـ “الرجل الذي يتنفس في عالم السياسة ولكنه لا يتحرك وهو أشبه بالجثة التي تتحدى الموت والسقوط”. واستطرد الياسري في حديثه عن المالكي بأنه قد لَعب دوراً كبيراً في إنتاج فكرة تعطيل وتحدي مشروع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر “مشروع حكومة الأغلبية الوطنية”، وبظهور حاجة جامعة لكل القوى السياسية الرافضة لفكرة الأغلبية الوطنية العابرة للمكونات الطائفية، وهو ما خدم مشروع المالكي في إفشال مخطط الصدر، وإن لم تكن الفكرة مالكية من الأساس.
وبحسب المحلل العراقي، فإن “هذه الطبقة السياسية تفتقر للوعي الوطني وتكتفي بالوعي الطائفي والقومي” وتلك الأحزاب التي حكمت العراق بعد الـ 2003 قد انطلقت من فكرة (الوعي الطائفي) وبَنت ايدولوجيتها من تلك الزاوية وعندما وصلت للسلطة أصطدمت بالوطنية، وهو ما أنتج صراعاً بين السلطة والدولة، فالسلطة السياسية تريد أن تبتلع الدولة والدولة تقاوم البقاء وهو ما يُصعب تحديد مسارات أو توقيتات معينة لسقوط النظام كما فعل النائب السابق فائق الشيخ علي”.
وبالرغم من استمرار النظام تسعة عشر عاماً، إلا أن الياسري يعتبر أنه قد سقط في مخيلة العراقيين، وفي عام 2014، كاد النظام الحالي أن يسقط بدخول “داعش” إلى الموصل لولا الفاعل الإجتماعي الذي حبا على الدولة.
العراق بلد تتأثر فيه السلطة بالفاعل الإجتماعي، حيث لا تؤثر السلطة بشكل عام على تركيبة النظام الإجتماعي ولكنها تتأثر به. ولذا سعى النظام السياسي إلى تثبيت فكرة الإنقسام الإجتماعي لضمان بقائهم في السلطة، وهو ما اثبتته محتوى التسريبات التي ركزت على فكرة الإنقسام المجتمعي كوسيلة لضمان البقاء في السلطة، وفق الياسري.