عثرات إدارة بايدن في الشرق الأوسط
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – مقال الرأي
مرح البقاعي
تعهّد الرئيس جو بايدن حين كان مرشحاً للرئاسة الأميركية في العام 2016 مقابل منافسه الجمهوري الرئيس الأسبق دونالد ترامب، بأنه إذا فاز بالانتخابات الرئاسية ووصل إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، سيقوم فوراً بعكس سياسات سلفه ترامب وقلبها رأساً على عقب.
وبالفعل، وفي الشهر الأول لوصوله إلى قمة هرم الإدارة الأميركية رئيساً للولايات المتحدة، قام بايدن بإزالة منظمة الحوثي من قائمة الإرهاب، ثم انسحب ذلك الانسحاب المشهود من أفغانستان (وكان ترامب قد اتخذ منه دليلاً ضد بايدن خلال المناظرة الانتخابية الأولى بينهما في حزيران 2024 وإثباتاً للفوضى التي عمت في عهده). أما أسوأ ما فعله، فكان أن أرخى الحبل الذي كان ملفوفاً في عهد ترامب حول عنق طهران وجعلها تتنفس الصعداء اقتصادياً وسياسياً.
ظن الرئيس بايدن ومستشاره في الأمن القومي جيك سوليفان أن سياسة المهادنة مع إيران وذيولها في المنطقة، بإمكانها أن تجلب استقراراً غدا لازماً في الشرق الأوسط؛ وقد أرفق بايدن هذه السياسات بمواقف ملتبسة وسلبية إلى حد بعيد من حلفاء قدامى للولايات المتحدة ومؤثرين في الشرق الأوسط. وطالما سمعنا مستشار الأمن القومي سوليفان يقول في تصريحات رسمية أن الشرق الأوسط كان “يبدو في عهد بايدن أكثر هدوءاً مما كان عليه منذ عقود”، إلى أن وقعت أحداث 7 أوكتوبر، وهاجمت منظمة حماس المدعومة إيرانياً ما وراء غلاف غزة، ووقعت الواقعة.
أحداث 7 أكتوبر وما ترتب عليها من حرب شعواء شنتها إسرائيل على قطاع غزة وأهله المدنيين، غيّرت الذهنية السياسية لشريحة واسعة من الشباب في العالم وفي أميركا على وجه الخصوص؛ وانطلاق مظاهرات واعتصامات الجامعات الأميركية الكبرى نصرة لشعب فلسطين رفعت درجة حرارة الترمومتر الانتخابي بين هذه الشريحة الاجتماعية من الشباب التي كانت قد انتخبت بايدن، فانقلبت عليه تزامناً مع موقفه وتأييده المبهم والأعمى في معظم الأحيان لإسرائيل في حربها الممتدة.
أجّجت حرب إسرائيل حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتفشت الاضطرابات راسمة إرهاصات أزمة حقيقية ضمن صفوف إدارة بايدن التي لم تفلح في السيطرة على أعمال العنف التي تشنها أذرع إيران (Proxies) في المنطقة، انطلاقاً من البحر الأحمر حيث يمارس الحوثيون عمليات القرصنة البحرية، ووصولاً إلى سوريا ولبنان والعراق حيث فوضى الميليشيات المتمثلة في حزب الله ومشتقاته المدعومة من طهران؛ واستمرت الهجمات تتصعّد إلى ذرواتها.
طرحت هذه الاضطرابات تساؤلات عالية النبرة ضمن صفوف الحزب الديمقراطي وقادته، عما إذا كانت سياسات إدارة بايدن في الشرق الأوسط ستكون مطباً حقيقياً في حملة إعادة انتخابه مقابل الرئيس الأسبق دونالد ترامب في شهر نوفمبر القادم.
يقع المفترق العميق بين بايدن وترامب في موقفهما النقيض من سياسات واشنطن لجهة إيران، ناهيك عن أدوات التعامل مع انتهاكاتها لأمن المنطقة التي كانت أحداث 7 أوكتوبر من أخطر تجلياتها. إلا أنهما يتفقان على ضرورة تحقيق الشروط اللازمة للسير قُدماً نحو شرق أوسط أكثر هدوءاً واستقراراً.
ويكاد يكون تعزيز العلاقات مع الشركاء الإقليميين هو المبادرة الأميركية الأكثر أهمية لتأمين شرق أوسط مستقر وآمن. لكن بايدن تعامل بخفة وعدم مسؤولية مع هذه الشراكات التاريخية، وبخاصة مع دول الخليج الأكثر تأثيراً في المنطقة، وهي المتضررة بشكل كبير من أطماع إيران – الجار غير المأمون. أما ترامب فقد كانت له الأيدي البيضاء في تمكين تلك الشراكات حيث تم في عهده وضع حجر الأساس لسلام مستقبلي من خلال اتفاقات إبراهام المبرمة بين إسرائيل ودولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والشروع بعملية التطبيع العربية الإسرائيلية.
ثمار هذه الجهود التي غرس جذورها ترامب، كانت جلية حين قام تحالف ضم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، بإسقاط 300 صاروخ ومسيّرة إيرانية، أطلقت على إسرائيل في 13 إبريل/نيسان الفائت، وهو الهجوم المباشر الأول لطهران ضد إسرائيل إثر حرب الظل المستمرة بينهما منذ عقود.
كانت الاستجابة المشتركة للتحالف بمثابة تقدم كبير نحو هدف أميركي طويل الأمد ومشترك بين الحزبين في الشرق الأوسط، وهو الوصول إلى مستوى من التعاون والحضور الإقليمي يسمح في المستقبل بانسحاب أميركي مدروس لواشنطن، تاركة منطقة الشرق الأوسط ليديرها أهلها بنكهة عربية وسياسات محلية خالصة.
بناء على ما تقدم يمكننا أن نفترض أن أي شخص سيحتل البيت الأبيض في العام المقبل، من المرجح أن يسعى إلى البناء على تلك التحالفات الإقليمية. وهناك العديد من الأسباب لهذا التصوّر، أولها يكمن في توسع دائرة سلوك إيران العدواني والمزعزع للاستقرار في المنطقة؛ فقد انتشرت الجماعات المسلحة التابعة لإيران في أرجاء العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة.
وفي حين ما زال الجدل قائماً إذا كانت إيران على علم تام ومسبق بالهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنه لا يمكن إنكار أن طهران تواصل دعم الجماعة بالمال والسلاح، حتى أن الرئيس بايدن أقر باقتناعه التام بتورط إيران في ذاك الهجوم.