ماذا لو أساء النظام السوري استخدام قرار رفع العقوبات؟
بقلم مرح البقاعي
أصدر عضو الكونغرس الجمهوري، مايكل ماكول، إلى جانب السناتور جيمس ريش، بياناً في الرد على “الترخيص العام رقم 23” الذي أصدرته إدارة الرئيس بايدن، والمتعلق برفع جزئي للعقوبات عن النظام السوري.
انتقد عضوا الكونغرس الجمهوريان بشدّة في بيانهما قرار بايدن السماح بمباشرة معاملات مع نظام الأسد ’باسم الإغاثة الإنسانية’، ووصفا الأمر بأنه أقرب إلى “صفعة على الوجه تم توجيهها للشعب السوري”، الشعب الجريح الواقع تحت هول مآسيه، وصدمة الزلزال.
وشدد البيان على أن رفع العقوبات لمدة ستة أشهر “سيفتح الباب عريضاً أمام النظام الذي يسرق المساعدات، وسيُساء استغلاله لخلق مسار لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد”، علماً أن العقوبات لم تشمل يوماً منع المعونات الإنسانية الغذائية والطبية.
يبدو أن إدارة بايدن تعتقد أن هذا الإعفاء المؤقت يمكن أن يساعد الشعب السوري الذي يعاني كثيراً في ظل اقتصاد فاشل، وبإمكانه أيضاً أن ييسّر بعضاً من ظروف حياته من خلال السماح لحكومة دمشق باستئناف العلاقات التجارية والمالية مع دول العالم المقاطِعة له، الأمر الذي قد يؤدي – حسب تقديرات الإدارة الأميركية – إلى زيادة فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة لجميع السوريين دونما استثناء لفئة دون أخرى، وبعيداً عن التسييس.
إلا أن رفع العقوبات له عواقب سلبية قد لا تُخفى على أحد البتة. فهو – بلا أدنى شك – سيتيح للحكومة السورية الوصول إلى موارد إضافية يمكن أن تستخدمها لدعم أنشطتها العسكرية والحفاظ على حكمها القمعي في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، قد يشي رفع العقوبات إلى تراجع في التزام المجتمع الدولي بمحاسبة حكومة دمشق على انتهاكاتها لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبتها على امتداد 13 عاماً من الهولوكوست السوري.
في واقع الأمر، كان ينبغي اتخاذ هكذا قرار، دقيق ومصيري، ضمن سياق استراتيجية أوسع لتحقيق الانتقال السياسي ولتعزيز السلام والاستقرار وحقوق الإنسان في البلاد؛ وهكذا نهج يتطلب خلطة من الضغط الدبلوماسي والعقوبات المستهدفة ودعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تحقيق هذه الأهداف، وليس قراراً أحادياً برفع العقوبات.
قد يجادل البعض بأن رفع العقوبات عن سوريا يمكن أن يساعد في جهود الإغاثة من الزلزال من خلال السماح بزيادة النشاط الاقتصادي والاستثمار، وسيؤدي إلى توفير المزيد من الموارد للاستجابة للكارثة وتقديم المساعدة للمجتمعات المتضررة .
لكن، من الأهمية بمكان ملاحظة أن رفع العقوبات وحده قد لا يحمل تأثيراً كبيراً على جهود الإغاثة في حالات الكوارث، ولاسيما في الحالة السورية المربكة بسبب ظروف الحرب وغياب البنية التحتية الإسعافية في حال وقوع طوارئ صادمة؛ بينما لا تزال المنظمات الدولية تواجه تحديات لوجستية وأمنية كبيرة في تقديم المساعدة إلى المناطق المتضررة، وقد يستمر الصراع في البلاد وعدم الاستقرار السياسي في إعاقة إيصال المساعدات.
من أجل الاستجابة بفعالية لكارثة مثل الزلزال المدمّر الذي أصاب السوريين بمقتل جديد، يتطلب الأمر جهوداً منسقة من قبل المجتمع الدولي، بما فيه توفير الدعم المالي واللوجستي العاجل، إلى جانب المشاركة السياسية والتنسيق لضمان تسليم المساعدات لمن هم في حاجة إليها بطريقة آمنة وفعالة.
يمكن اعتبار قرار رفع العقوبات عن بلد ما قضية معقدة تعتمد على طبقات من العوامل والاعتبارات. أما في الحالة السورية، فلا يمكن فهم قرار رفع العقوبات إلا علامة على ارتباك وضعف في اتخاذه، وبخاصة إذا لم يقترن باستراتيجية أوسع لتعزيز السلام والاستقرار وحقوق الإنسان في البلاد.
في أفضل السيناريوهات، نأمل ألا يكون رفع العقوبات مؤشراً مقلقاً على الانصياع لابتزاز النظام السوري، بل قراراً استراتيجياً شاملاً في السياسة الخارجية الأميركية، يتم اتخاذه بعد دراسة متأنية لسلسلة من العوامل تضمن مصالح الولايات المتحدة من جهة، ومصلحة الشعب السوري الكليم وحقوقه من أخرى.
وفي حال قام نظام دمشق باستغلال كارثة الزلزال وتداعياتها لإنهاء عزلته، فمن المهم للولايات المتحدة والمجتمع الدولي اتباع نهج متعدد الأوجه لضمان محاسبته على ما ارتكبت يداه خلال الصراع، وكذا مستوى استجابته لكارثة الزلزال. قد يشمل ذلك حزمة متكاملة من الضغط الدبلوماسي والعقوبات المستهدفة ودعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز السلام والاستقرار وحقوق الإنسان في البلاد.
يمكن أن يكون أحد العناصر الأساسية والآنية لهذا النهج هو ضمان توجيه المساعدات إلى سوريا في أعقاب الزلزال بطريقة شفافة وخاضعة للمساءلة، وألا تفيد الحكومة السورية أو قواتها الأمنية على حساب المواطنين العاديين. يمكن أن يحدث ذلك بالتنسيق مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وشركاء الولايات المتحدة من المجتمع المدني على الأرض، لضمان تقديم المساعدة من خلال القنوات القائمة وتوصيلها لمن هم في أمس الحاجة إليها.
من واجب الولايات المتحدة، كونها الداعم الأكبر والأصدق للشعب السوري وإرادته في الحرية والتغيير، وبالتعاون شركائها أيضاً، الاستمرار في الضغط على النظام السوري لوضع حد لانتهاكاته لحقوق الإنسان وغيرها من طرائق القمع والتنكيل، والانخراط في عملية سياسية هادفة لحل النزاع وإنهاء معاناة الشعب السوري.
فصل المقال يكمن في حتمية التعامل مع الوضع السوري من خلال استراتيجية واضحة وشاملة تأخذ في الاعتبار التحديات المعقدة والمتشابكة التي تواجه البلاد، وتسعى إلى تعزيز العدالة والسلام والاستقرار وحقوق الإنسان لجميع السوريين.
لسوء الحظ، فإن مثل هذه الاستراتيجية الجريئة والقوية التي تسمح بالتعامل العادل مع البؤس السياسي والإنساني في سوريا غير متوفرة حتى الآن. وبينما الوقت ينفد، لا يزال العالم عاجزاً عن رسم نهايات للمقتلة العبثية والألم السوري المستطير.