بوتين على شفير الهاوية
الاستماع للمقال صوتياً
|
بقلم هيرمان بيرشنر *
في فيتنام وأفغانستان والعديد من النزاعات الأخرى، خسرت القوة الأكبر لأنها لم تستطع الانتصار، وانتصرت القوة الأضعف لمجرد أنها لم تخسر. يجب أن يكون الأمر كذلك في أوكرانيا، حيث تتعاظم المعارك وتنتشر بسرعة كبيرة.
في أقل من ستة أشهر، كان للحرب التي اختارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عواقب وخيمة على روسيا نفسها. وقد أسفت عن سقوط ما لا يقل عن 60.000 قتيل روسي، أي أكثر من العدد الإجمالي للقتلى الذين سقطواخلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان الذي دام 10 سنوات.
أدى ذلك إلى خسارة طويلة الأمد لنفوذ روسيا السياسي ونفوذها في مجال الطاقة التي تذهب إلى الغرب. لقد ساعدت في إنعاش حلف الناتو، الذي بدا قبل بضع سنوات فقط منهكاً وكأنه شارف مراحله الأخيرة. وقد ألحقت أضرارا بالغة وطويلة الأمد بالاقتصاد الروسي، ما أدى فعليا إلى خسارة روسيا الاتحادية جميع المكاسب التي تحققت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
في المقابل، ماذا جنت روسيا من هذ ه الحرب؟ فقط مساحة محدودة من أراضي أوكرانيا – أراض قد لا يتمكن الكرملين من الاحتفاظ بها لفترة طويلة.
النخب الروسية أدركت هذه الحقيقة بالفعل. ومع عودة أكياس جثث المقاتلين والآلاف من الجنود الجرحى، بدأ الشعب الروسي في فهم ذلك أيضا. كل ذلك يزيد من ضعف بوتين السياسي الداخلي، ويضعه تحت ضغط متزايد لإيجاد طريقة ما لإعلان النصر.
نتيجة لذلك، استمر الرئيس الروسي في مضاعفة حملته العدوانية. بعد فشل الكرملين في الاستيلاء على كييف وخاركيف والأراضي الأوكرانية الأخرى، أعاد الكرملين تنظيم أهدافه الاستراتيجية، وحصرها في الهدف الأكثر محدودية وهو الغزو الكامل لمقاطعات دونيتسك ولوهانسك الأوكرانية، وكلاهما كان محتلا جزئيا منذ عام 2014. مع ذلك، يمكن تصنيف الهجوم الروسي الجديد على أنه فشل استراتيجي في مقابل خسارة المزيد والمزيد من الروس للاحتفاظ مؤقتا بأراضي غير استراتيجية.
وقد تسبب هذا الفشل بدوره في حدوث مشكلات أخرى. فقد اختارت حملة الكرملين القوات في الصف الأول للجبهات من أصحاب مرجعيات عرقية غير روسية – وهو الأمر الذي تسبب في توتر وخفض في معنويات القوات، وأثار نعرات بين القوات الروسية من جهة وتلك الموجودة في أماكن مثل بورياتيا (البوذية تقليديا) وداغستان (معظمهم من المسلمين). واليوم، يرفض بعض الجنود القتال، بينما يشكّل السخط بين عائلاتهم مشكلة متنامية للحكومة الروسية.
لكن ما قد يكون أخطر “رهان سيء” لبوتين بدأ يتكشف الآن. مع تدمير الجسور اللازمة لإعادة الإمداد و/ أو تعزيزها ، فإن القوات الروسية المقدرة بـ 20.000 جندي على الضفة الغربية لنهر دنيبرو غدو محاصرون تماما، وهم محاطون فعليا بالقوات الأوكرانية دون القدرة على الخروج أو القتال. لم يغير بوتين تمركز هذه القوات عندما أتيحت له الفرصة للقيام بذلك، ما تركهم وقد تقطعت بهم السبل فعليا. ونتيجة لذلك، فر بعض كبار القادة عبر النهر، مما أضر بمعنويات القوات الروسية في خيرسون وأماكن أخرى.
كل هذا يجعل الوضع الداخلي لبوتين يسير من سيء إلى أسوأ، حيث يركز المزيد والمزيد من أعضاء السلطة الروسية على أخطائه المستمرة والكارثية. في نهاية المطاف، سوف تستنتج كتلة حرجة من نخب صنع القرار في روسيا (أولئك الذين لديهم أسلحة أو أموال) أن البلاد بحاجة إلى تقليص خسائرها من خلال سحب قواتها من أوكرانيا، لأن القيام بذلك سيكون شرطا مسبقا لإزالة العقوبات الغربية والسماح لروسيا بإعادة بناء جيشها واقتصادها.
لكن، لا يمكن فعل ذلك مع بقاء بوتين في السلطة.
وعلى الرغم من أن إزاحة الرئيس الروسي من السلطة لن يكون أمرا سهلا ، إلا أن التوازن سيتحول في نهاية المطاف بشكل تدريجي بين عدد محدود من الأطراف القوية الذين ما زالوا يدعمون أهداف حربه، إلى عدد أكبر من الذين يريدون تقليص خسائرهم.
هذا الأمر يمكن أن يتحقق إذا ما استمرت حالة الجمود في دونباس وبدأت أوكرانيا في استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا الآن. اليوم، كلا هاتين النتيجتين ممكنتان. نتيجة لذلك، هناك أيضا نهاية محتملة للحرب الحالية.
* هيرمان بيرشنر جونيور هو رئيس “مجلس السياسة الخارجية الأمريكية” الذي مقره واشنطن العاصمة.
ترجمة منصة وايتهاوس إن أرابيك
المصدر: The Hill