دونالد ترامب مقابل العم جو
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتب الدكتور أيمن حقي
مازال النقاش محتدماً، في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، حول ما إذا كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد تعرض لسوء المعاملة من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل.
ولكن في صلب هذا النقاش حقيقة بسيطة، وهى أن الرئيس ترامب يشعر بأن منصب الرئاسة قد سُلب منه في العام 2020، وأنه ضحية مؤامرة لتشويه سمعته من قِبل البيت الأبيض.
هذا وقد أكّد الرئيس جو بايدن من خلال المتحدثة الرسمية، كارين جان بيير، بأن البيت الأبيض لم يكن على علم مسبق بنيّة مكتب التحقيقات الفدرالي مداهمة منزل ترامب في ولاية فلوريدا.
وبينما يبدو جمهور ترامب في غضب شديد من سوء المعاملة التي تعرّض لها زعيمهم، استقبل أنصار الرئيس بايدن الخبر بعين من الرضا عن توقيع وزارة العدل على مذكرة التفتيش.
هذا العرض كان حول أجواء الولايات المتحدة، أما خارجها فيتساءل الناس كيف يمكن أن تتم قراءة الحقائق بطرق مختلفة؟ لعلهم لا يعلمون أن أي رئيس أميركي يفقد جميع امتيازات المنصب بعد خروجه من البيت الأبيض.
فمثلا الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي غادر البيت الأبيض في طائرة الرئاسة (Air Force One) متجهاً إلى كاليفورنيا، فقد أعيد تسمية الرحلة نفسها لتحمل اسم (مهمة جوية خاصة) ذات الرقم SAM 27000.
ولمزيد من التوضيح لقرّاء وايتهاوس إن أرابيك، علينا أولاً الخوض في التركيبة النفسية للرئيسين بايدن وترامب كل على حدى، حيث كان الرئيس بايدن الملقب بـ “العم جو” قد عرف على أنه عضو الكونغرس ونائب الرئيس السابق الذي يعمل تحت إدارة الرئيس أوباما بتواضع وغياب تام في شخصيته لأي مظهر من الغطرسة أو الفوقية، في حين كان الرئيس ترامب الملقّب بـ (دونالد)، ذاك الفتى المليونير صاحب الشخصية الكاريزمية الذي لم يسبق له أن خدم في منصب حكومي رسمي، والذي أشتهر بعبارة “أنت مطرود” التي كان يستخدمها في كل حلقة من برنامجه الشهير عن تلفزيون الواقع.
وبناء على ما تقدّم، عندما يغادر “العم جو” منصبه، من المتوقع أن يقوم بتسليم جميع المستندات السرية وغير السرية التي كانت في حوزته خلال ولايته إلى خليفته، بينما من غير المرجح أن يتصرّف دونالد بالسلاسة نفسها، وهو بالضبط ما حدث.
ومن المحتمل ألا يتم الإعلان عن الكنز الدفين للوثائق التي تم الاستيلاء عليها بعد مداهمة منزل ترامب، لكن المعركة القانونية حول ما تحتويه ستصبح المادة الأساسية المستخدمة في معركة قضائية وشيكة.
في مقابلة أجرتها شبكة NBC News مع تشارلز ستيمسون الباحث في مركز البحوث اليميني المحافظ (Heritage)، أفاد ستيمون بأن هناك نقاش حيوي يدور الآن في الولايات المتحدة حول ما إذا كان من حق الرئيس أن يقرر بمفرده، وبمعزل عن استشارة أحد من دائرته، أن يرفع السرية عن وثائق كانت بين يديه حين وجوده على رأس منصبه في البيت الأبيض، أم لا يحق له ذلك.
المتابع في الشرق الأوسط قد يرى أنه طبعاً يحق للرئيس أن يفعل ذلك، وقد يعتقد آخرأنه ليس من حق الرئيس أن يلغي السرية عن وثائق هي في الأصل غاية في السريّة، لكن مهما اختلفت الآراء في عالم ماوراء المحيط الأطلسي وتغايرت وجهات النظر، فعلى المهتمّين هناك بالأمر أن يدركوا أنه في الولايات المتحدة يتم تسوية الخلافات في المحاكم وليس في المقاهي.
إذاً، حين يغادر “العم جو” منصبه سيكون قد أنهى مهمّته في خدمة الأمة الأميركية، بينما سيبقى دونالد متصالحاً وصادقاً مع نفسه، ولكن لنفسه فقط!