الصين في ميزان العلاقات الاستراتيجية للمملكة
الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
رسالة المحرّر
لن يتراجع الحضور الأميركي في الشرق الأوسط مع تغاير سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة على اختلاف مشاربها السياسية وتوجهاتها. فالعلاقة المتعاقبة على امتداد عقود بين العالمين هي علاقة عضوية تنخرط ضمن الاستراتيجيات الأساس التي تشكّل قوام سياسات الطرفين الخارجية، وهي لا تنتمي إلى حدث اللحظة السياسية وحسب.
أما المزاعم القائلة بأن الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية والأبهة التي من المتوقع أن تسود المراسم الاحتفائية به التي يُخطط لها بدقة وعناية شديدتين في المملكة، وإمكانية أن تشكّل اختراقاً لمتانة الصلات التي تربط بين المملكة والولايات المتحدة التي هي فوق دبلوماسية، فلن تكون كما يُشاع في الإعلام مؤشراً لتراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
تبقى الولايات المتحدة شريكاً حيوياً ليس للسعودية فقط، ولكن لدول في المنطقة بأسرها. فما ستقدّمه الصين لدول الخليج لا يمكنه أن يتعدّى مستويات “الأخذ” من معين الخير فيها ومقوّماته الجيوسياسية ليس إلا، دونما القدرة على تقديم معادل سياسي موضوعي يمكنه أن يشكّل حاملاً قوياً لتحالف قد يضاهي تحالف الرياض مع واشنطن الذي يمكن اعتباره مصيرياً في بعض من أحواله.
قد تستغل الصين بعضاً من فراغ تركته إدارة الرئيس بايدن الحالية لتتسرّب منه وتحقّق مصالح كانت بعيدة المنال مع وجود أميركي قوي ومؤثّر في المملكة ومنطقة الخليج بشكل عام، إلا أن المقابل الذي تمتلك بيجين فعلاَ أن تقدّمه هو شحيح جداً مقارنة مع طبيعة حاجات الطرفين من هذه المعادلة.
من يراهن على أن الحضور الأميركي في الشرق الأوسط يتلاشى ليحلّ مكانه “المارد” الصيني، فهو لا يعلم جيداً كيف تدار السياسات الخارجية على المدى الطويل هنا في واشنطن.
وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني بسياساته الاستقطابية المعروفة بقي على طرف الحياد من الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أنه في صميم علاقته مع موسكو لا يتبرأ من تأييد ضمني لها على سبيل الاقتصاص من خصمه الأميركي ليس إلا، وإزاحته عن موقع الجاذبية الإعلامية والثقافية والسياسية التي يتمتع بها ليس على المستوى الحكومي فقط مع دول المنطقة، بل الشعبي أيضاً، نظراً لأسلوب الحياة الأميركي الذي هو نموذج تشرأب له الأعناق التائقة إلى الحريات والانعتاق من قيود الفرد الحاكم بأمره، إلى رحاب الجماعة التشاركية الفاعلة.
من المتوقع أن يصل “شي” إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع المقبل للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وذلك إثر شهر واحد فقط من زيارة الرئيس جو بايدن المثيرة للجدل. فما الذي سيضيفه الرئيس الصيني للمملكة في هذه الزيارة مما لا تمتلكه؟ بل هل سيكون الأمر – ما بعد الاستقبال الحار للزعيم الصيني – من صنف البضاعة الصينية عينها، والتي عادة ما يزول ألقها مجرد أن تزيل الغلاف الزاهي عنها لتكتشف أنها من النوع محدود الاستعمال وسريع العطب!
أتساءل.