واشنطن وطهران في فيينا: مَن ينتظر مَن؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتب إبراهيم ريحان
دون جدالٍ، فإنّ جلسة المُفاوضات النّوويّة التي تشهدها العاصمة النّمساويّة فيينا بين المجموعة الدّوليّة والولايات المُتحدّة وإيران، ليسَت الأولى. لكنّ في هذه المرّة الجلسة مُختلفة عن سابقاتها. فهي جلسة حاسمة بلا ريب. وهذا ما عبّر عنه المسؤولون الأميركيّون والإيرانيّون على حدٍّ سواء.
نيّة العودة إلى الاتفاق النّوويّ 2015 موجودة عند الطّرفيْن المعنييْن، أعني بذلك واشنطن وطهران. فالوضع الدّوليّ الضّاغط خصوصاً في سوق الطّاقة بسبب الغزو الرّوسي لأوكرانيا، ثبّت هذه النّيّة عند المسؤولين في البلديْن. الخلاف يكمن في القرار السّياسيّ الذي يُحوّل هذه النّيّة إلى عملٍ وقرار فاعل. وهُنا يكمن الخلاف.
تُحاول إيران انتزاع ما أمكن حمله من المكاسب في اللحظات الأخيرة الحاسمة أمام إعادة إحياء الاتفاق أو دفنه مرّة وإلى الأبد. أمّا واشنطن فتسير على صراطٍ دقيقٍ في هذا الشّأن. إذ إنّ العودة إلى الاتفاق النّوويّ لا ينبغي أن تكون في مُقابل إحياء منظومة “الإرهاب الإيرانيّ” في المنطقة، كما يقول أحد العارفين بتفاصيل المُفاوضات لـWHIA.
يُريدُ ملالي إيران أن يستغلّوا ضيق الوقت أمام العاصمة الأوروبيّة التي تفصلها أسابيع قليلة عن بدء موسم البرد. ويعلم الإيرانيّون أنّ الأوروبيين لا يُريدوا تجربة شتاءٍ قارسٍ، خصوصاً إذا قرّر الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين أن يقطع إمدادات الطّاقة عن أوروبا في حال وجدَ نفسه أمام هزيمةٍ سيّاسيّة في حربه التي يخوضها منذ 7 أشهر في أوكرانيا.
يعوّل الإيرانيّون على الضّغوط الأوروبيّة وكذلك على احتمال ارتفاع أسعار الطّاقة العالميّة للعبِ دورٍ محوريّ في إدارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن الذي ينتظر هو الآخر انتخاباتٍ نصفيّة، ستكون المؤشّر الأكبر لانتخابات الرّئاسة التي أعلن نيّته خوضها في 2024.
تلعبُ طهران على عامل الوقت. أمّا الإدارة الأميركيّة فتتعامل مع ضيق الوقت بحذرٍ شديد. إذ إنّ أي خطوة “ناقصة” في هذا الإطار، قد ينتج عنها تزكية للحرس الثّوريّ الإيرانيّ ونقله من بحر الإرهاب إلى شاطئ المنظّمات الطّبيعيّة. وهُنا نستطيع أن نتخيّل النّتائج دون الخوض في التّفاصيل. تكفي عودة سريعة بالذّاكرة إلى فترة 2015 – 2020 وما شهده الشّرق الأوسط من أحداث خلالها.
أيضاً وأيضاً، يقف العامل الإسرائيليّ هو الآخر مصدَرَ قلقٍ لدى الإدارة الأميركيّة. فالمسؤولون في تل أبيب لا يريدون أن يروا إيران قريبة ولو مسافة 10 سنوات من القنبلة النّوويّة. فكيف إذا كانت غارقة بالمليارات والتّعويضات؟
أمّا الدّول العربيّة، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجيّ، فلا داعي لذكر مخاوفها وملاحظاتها التي أبدتها لإدارة باراك أوباما عشيّة توقيع اتفاق “خطّة العمل المُشتركة” JCPOA. ويكفي أن ينظر الواحدُ منّا إلى لوائح الإرهاب في دول مجلس التعاون الخليجي ليعلم عمّا نتحدّث.
يُضاف إلى ذلك أنّ إدارة بايدن كانت قد دفعت العلاقة الأميركيّة – الخليجيّة قُدماً بُعيد قمّة جدّة قبل أسابيع. وهي لا تريد تعكير صفو هذه العلاقة. والمهم أيضاً أنّها لا تريد مزيداً من المشاكل في سوق الطّاقة.
هو الحذر من الطّرفيْن. كلاهما يريد العودة إلى اتفاق 2015، لكن طهران تنتظر واشنطن، والأخيرة تنتظر الأولى. وإن بقيَ الطرفان في الانتظار، فالاتفاق سيصل إلى نقطة اللاعودة… وفي الشّرق الأوسط التّتمّة.