بيل غيتس ينهي ثروته بيده
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتبت مرح البقاعي
في حمأة انشغال العالم بأسره، وانشغالي أيضاً، بمجريات الأحداث العالمية وفي مقدمتها حرب روسيا على أوكرانيا بذيولها الأمنية والسياسية والاقتصادية، إلا أن خبراً شد انتباهي هو قريب وبعيد في آن عن السياسة وهمومها لارتباط القضايا المالية عادة بشكل مباشر أو غير مباشر بالشؤون السياسية المحورية.
الخبر الذي أتحدث عنه هو ما تداولته وسائل الإعلام بكثافة عن نية الثري الأميركي ومؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، التبرع بكافة ثروته للأعمال الإنسانية الخيرية، بعد أن كان ينفق بشكل متواصل أموالاً ليست بالقليلة، وبشكل متواصل، على الأعمال الإغاثية في العالم.
وقد أعلن غيتس عن نيته هذه في تغريدة له على حسابه الخاص في تويتر حيث كتب: “عندي التزام بإعادة مواردي إلى المجتمع بطرق يكون لها الأثر الأبلغ في الحد من المعاناة وتحسين الحياة البشرية. وآمل أن يقوم آخرون ممن يتمتعون بالثروة والامتيازات الضخمة بخطوات مماثلة في هذا الاتجاه”.
من نافلة القول أن الخبراء في المال والاقتصاد ينصحون عادة بالحرص على الكيفية التي يقومون بها بتخصيص الأموال واستخدامها في مكانها المناسب حتى لا تنفذ بسرعة أكبر من التي وصلت بها إلى الجيب. لكن غيتس يخالف هذه النظرية المالية ويصر على إنفاق أمواله كلها دفعة واحدة، فإنفاق ثروته جلها هو هدفه القادم!
وقد أعلن غيتس مؤخراً عن تبرعه بمبلغ قدره 20 مليار دولار لمؤسسة Bill & Melinda Gates، وهي المؤسسة الخيرية الدولية التي أسسها مع زوجته السابقة ميليندا غيتس، وهي مؤسسة تتبنى تنفيذ مشروعات إنسانية وإغاثية في كافة الدول والتجمعات البشرية التي تكون بحاجة إلى الدعم. ففي سوريا كانت إحدى مشروعات هذه المؤسسة هي تنقية المياه وتأمين ماء الشرب النظيف في مخيمات اللجوء والنزوح السورية.
في حقيقة الأمر، فإن غيتس وميليندا قاما بالفعل بمنح ما يزيد على 50 مليار دولار للمؤسسة منذ عام 1994. لكن مع تعهد غيتس بالتخلي عن كامل ثروته التي تُقدّر بنحو 113 مليار دولار، معرباً عن رغبته أن تعود هذه الثروة إلى أفراد المجتمع الذين كانوا أصلاً المصدر والسبب في تشكيلها، فسيحتاج غيتس في هذه الحالة إلى تنفيذ مشاريع خيرية ضخمة ربما يكون العالم في أمس الحاجة لها في هذا الوقت الذي يعاني فيه الملايين في أنحاء الأرض من ندرة الموارد في الغذاء والدواء والاستقرار، سواء كان السبب هو نتيجة لجائحة كورونا، أوالحروب المنفجرة في غير منطقة من العالم وآخرها وأفدحها حرب روسيا على أوكرانيا.
لم تقتصر اهتمامات بيل غيتس من خلال مؤسسته على التبرعات والمشاريع الخيرية، بل ركزت أيضاً على مكافحة الأوبئة والأمراض السارية وتأمين سبل البحث اللازمة لابتكار الأساليب واللقاحات للقضاء عليها. فهذه المؤسسة التي انطلقت في العام 2000، هي بالفعل واحدة من أكبر المنظمات الخيرية في العالم، وهي المنظمة غير الربحية التي تركّز بشكل خاص على إيجاد حلول للقضايا العالمية مثل المرض والفقر وتغير المناخ والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم.
العمل الخيري التطوعي ليس بالغريب عع الثقافية الإسلامية والعربية بشكل عام، فقد حفل التراث الإسلامي بآيات وصور التأصيل للعمل الخيري والتوجيه إلى ضرورة الالتزام به احتكاماً لما ورد من آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة من شواهد تعزز من قيمة العمل الخيري ومنها قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون. من سورة البقرة (177).
فالتاريخ الإسلامي، القديم والمعاصر، يذخر بالأعمال الفردية والجماعية التي تحض على العناية ودعم المحتاجين استجابة لنصوص القرآن الكريم والدعوة النبوية الشريف. وأصبحت ظاهرة تأسيس جمعيات خيرية موازية للمؤسسات المالية الكبرى للأفراد ورجال الأعمال ظاهرة صحية يسير على نهجها العديد من الأثرياء في العالم العربي وندعو إلى توسيع طيفها وتطويرها في اتجاه خير الإنسانية جمعاء.
رابع أغنى شخص في العالم، يقدم نموذجاً مثالياً لأهمية ونبل هذا الشعور من “التخلي” بأقصى حالاته لما فيه خير البشرية، وبهف دعم الأفراد الأقل حظاً في هذا العالم، والذين لم تسعفهم ظروفهم بتحقيق حياة كريمة وعادلة كما يجب أن تكون على هذه الأرض.
كتب الملياردير الأميركي غيتس في مدونته، والذي قريباً ما يخرج من قائمة أغنياء العالم بعد أن يتبرع بكامل ثروته ويصبح لقبه “الملياردير السابق” أنه لا يرى فعل التخلي عن ثروته تضحية وأشار بالقول “أشعر بالفخر لأنني أشارك في مواجهة هذه التحديات العظيمة، وأنا في الحقيقة أستمتع بما أفعل”.