موسكو في الجامعة العربية! من يكسب الرهان على أميركا؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتبت مرح البقاعي
رسالة المحرّر
إثر يوم واحد فقط من الهجوم الروسي على ميناء أوديسا الأوكراني، الميناء الذي من المفترض أن يكون في حالة من الاستقرار الأمني الواجبة بعد توقيع موسكو على “اتفاق الحبوب” في اسطنبول لتسهيل استئناف الصادرات من الموانئ الأوكرانية، وبوقاحة سياساية لا نظير لها، طلب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تسهيل الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة على موسكو – التي تم فرضها نتيجة غزوها لأوكرانيا- متذرّعاً بتيسير إحراءات الاتفاق الموقع يوم الجمعة الفائت في مدينة اسطنبول التركية.
جاء هذا التصريح، وللأسف الشديد، من العاصمة المصرية القاهرة، حيث ألقى لافروف كلمة موسكو في حضرة الجامعة العربية، بمحاولة منه لفك الحصار العالمي المضروب على روسيا إثر غزوها لدولة جارة مستقلة ذات سيادة، سمحت مصر أن تكون أرضها منبراً لهذه المحاولة.
توقيت استقبال لافروف في القاهرة بعد أسبوع واحد من انعقاد قمتيّ جدّة وطهران، لا يخلو من المؤشرات السلبية التي لا تنبؤ بخير للحالة السياسية العربية، بجملتها وتفصيلها!
فقمة جدّة من جهة لم تسفر عن أي تقدّم ملحوظ في تقارب وجهات النظر العربية البينية، وكذا لجهة علاقات الدول العربية الخارجية، وتحديداً فيما يخص العلاقات العربية -الأميركية التي وصلت إلى حالة من التنافر الملموس مع وصول الإدارة الديمقراطية إلى البيت الأبيض، وتوجّه الرئيس بايدن إلى الخروج التكتيكي من منطقة الشرق الأوسط، قبل أن يضطر إلى “تصحيح الخطاً” والعودة إليه من البوابة السعودية.
أما قمة طهران، وهي ما أدعوه باجتماع “الإخوة الأعداء” فلم تكن بالأفضل من حيث مخرجاتها السياسية، ولم تتعدى كونها وسيلة سريعة للرد على زيارة بايدن للمنطقة وقول من حضرها “إننا هنا”! أما بالنسبة لموقف القمة من الحال في سوريا، فلم تقدّم القمة من جديد، اللهم إلا ما جرى من توافق على الإبقاء على بشار الأسد حالياً ومحاولة “ترقيع” نظامه ببعض من شخصيات المعارضة الرمادية التي لا تمانع من مشاركة بشار الأسد عرش الجماجم الذي شيّده في قصره الخاص على قبة جبل قاسيون الدمشقي.
لا أعرف فعلاً ما هي دوافع مصر لاستصافة لافروف على هذا المستوى والهيئة الاستعراضية “Show Off” الذي كان من المفترض ألا يحدث مع دولة تشنّ حرباً غير مسبوقة وغير مبررة على دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة، حرباً هائلة بذيولها وانعكاساتها على الاستقرار والأمن العالميين، تلك التي لا تبتعد في أخطارها عن دول الجامعة العربية البتة.
وإذا كانت “الواقعية السياسية”، وهي المصطلح الدارج الآن “Trend” في معجم السياسات الحديثة، هي مفتاح التوافقات بل والأحلاف الجديدة التي تنشأ على أنقاض حرب روسيا على أوكرانيا وسوريا، فإن هذه الواقعية يجب ألا تصطدم مع العدالة الإنسانية التي هي جوهر ومستقر الأداء السياسي، بل هي المهمة الأخلاقية التي يجب أن يتمتع بها أصحاب القرار وهم يمارسون مهماتهم في منصبهم السياسي.
فصل المقال يكمن في تجاهل البعض لوزن الولايات المتحدة وتأثيرها في العالم، بل واعتبارها دولة كبرى تفقد تأثيرها الدولي بالتدريج.
وقد يكون هذا القصور في التقدير والتصرفات التي ستنتج عنه – وتبدو غير مبنية على نفس الدرجة من “الواقعية السياسية” التي يتندّر بها البعض لتعويم الديكتاتوريين من أمثال فلاديمير بوتين وبشار الأسد – خطأ تكتيكياً أيضاً للدول العربية قد يوازي خطأ بايدن في ابتعاده عن الشرق الأوسط، بل قد يفوقه.