كيف فعلها وليّ العهد على طريقته
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتب د. علي الخشيبان
ونحن على مشارف زيارة الرئيس الامريكي للمنطقة تتزاحم اروقتها السياسية بالكثير من الاسئلة، ليس لأنها الزيارة الوحيدة لرئيس امريكي ولكن لأنها الزيارة الاكثر فاعلية على المنطقة وبالتأكيد على العالم، هذه الزيارة تشكل تهديداً فعلياً للأفكار السائدة حول رغبة عزل امريكا نفسها عن الشرق الاوسط كمنطقة نفوذ استراتيجي منذ سبعينيات القرن الماضي بشكل محدد، فعندما اعلن اوباما عن عقيدته التي جعل محورها تقليص التواجد الامريكي في مناطق كثيرة من العالم وانطلقت الكثير من التكهنات حول المنطقة ومستقبلها فيما يختص بالأمن القومي وخاصة دول الخليج التي تعتبر الحليف الاهم لأمريكا لعقود طويلة منذ العقود الاولى من القرن العشرين، الفضاء السياسي في المنطقة ومنذ العالم 2011م اصبح مختلفا وتطلب الامر فهم دقيق للتحولات الجيوسياسية الصعبة التي صاغت المنطقة قبل اكثر من عقد من الزمان.
لقد كانت مقاربة العلاقة مع إيران التي اتخذتها امريكا خلال العام والنصف الماضيين ملفتة للنظر ودفعت دول المنطقة الى التوقف عن التفكير بالطريقة التقليدية حول التحالفات والامن الاقليمي، في السعودية برزت الافكار السياسية الواضحة للتعامل مع هذا الواقع بطريقة مختلفة وقاد سمو الامير محمد بن سلمان نموذجا حيويا لفتح مسار التحالفات والاهتمام بالتشكيل الدولي القادم من الشرق، فبالرغم من إدراك السعودية الاهمية الكبرى للدور الامريكي في صياغة الصورة الاستراتيجية للمنطقة وامنها، الا ان التنبؤ بالمستقبل وضرورة قراءته بشكل دقيق دفع السياسية السعودية نحو التفكير بشكل جدي لدفع المسيرة نحو التحديث في المسارات السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد قال الامير محمد بأن “المملكة تتقدم بخطى ثابتة في برنامج ضخم يهدف إلى التطور والتغيير”.
بعد الحرب الروسية الاوكرانية أصبح هناك قرار عالمي جديد تمتلكه موسكو فيما يخص الحرب وتأثيراتها، فروسيا تخوض حربا طويلة مرشحة لأن تستمر لسنوات طويلة فهذه الحرب هي التي أيقظت تاريخ اوروبا المدفون من بعد الحرب العالمية الثانية ولا يمكن التنبؤ بالنتيجة النهائية في ظل تعقيدات التاريخ الأوربي التي تفترض ان روسيا ستقف بكل ما تستطيع لمنع عودة اوكرانيا بحدودها الجغرافية كما هي الان، وهذا يعنى ان التغيير قادم ليس نحو اوروبا وحدها بل الى مناطق كثيرة من العالم، ولأن هذه الحرب تترك بشكل تدريجي كبير اثرها على العالم سياسيا واقتصاديا فإن دولة مثل المملكة العربية السعودية الدولة القيادية في انتاج الطاقة في العالم تجد نفسها في مركز التأثير المباشر على تحولات العالم واقتصادات الدول، وهذا ما قاله سمو الامير محمد ” لسنا قلقين على مستقبل المملكة، بل نتطلع الى مستقبل أكثر اشراقا”.
عندما تعود بنا الذاكرة الى العام 2015، الى ما قبل جائحة كرونا نجد الكثير من الاسئلة حول المملكة وتحولاتها فقد شهدنا الكثير من صور التشكيك في التطورات والتغيرات التي تطمح لتحقيقها رؤية المملكة 2030، اليوم عندما نقارن الصورتين ندرك ان السعودية تتطلب دائما من الجميع انصارها ومنتقديها نظرة أعمق، فهي دولة يصعب التأثير عليها بمجرد الانتقاد المباشر لسلوكها السياسي، السعودية دولة ذات مرونة عالية ويمكنها العودة الى المشهد السياسي والوقوف في المقدمة بسرعة فائقة، والمشهد الذي حدث خلال الايام الماضية يثبت ذلك، فقد قام سمو ولي العهد بزيارات الى كل من مصر والاردن وتركيا هذه الزيارات السريعة في زمنها، الكبيرة في تأثيرها تكشف كيف استطاع سمو ولي العهد ان يجعل من الجدول السعودي السياسي ملئ بالأنشطة والفعاليات واللقاءات الدولية، كما أدرك العالم ان المهمة السعودية المنتظرة خلال المرحلة القادمة كبيرة وذات تأثير، هذه الزيارات أعادت رسم الصورة المتخلية عن الدور السعودي وقوته في التغيير عندما يتطلب الامر الاهتمام بالعالم اقتصاديا وسياسيا.
الرسالة التي يعلمنا اياها التاريخ أن السعودية لم ولن تكون يوما من الايام في غياب التأثير في المسرح السياسي الدولي فهي في قلب الصورة العالمية اقتصاديا وسياسياً وحتى عقديا فيما يخص الاسلام والمسلمين وعربيا فيما يخص الدول العربية، ولذلك فإن إدراك العالم للدور السعودي يكمن في فهم دورها الذي يشكل قلب الاقتصاد العالمي وخاصة في مجال الطاقة والامن الإقليمي، وهي تمتلك القدرة الفائقة على بناء الصورة السياسية من جديد وبسرعة في كل منعطف دولي، هذه هي الحقيقة التي نرغب ان يعزز بها الوعي الدولي حول السعودية، لقد تحولت السعودية خلال الاشهر الماضية الى وجهة سياسية دولية فالكل يود المجيء والحديث، وهذه الصورة هي تأكيد ان معالجة الوعي الدولي حول دور السعودية تتطلب ملاحظة دقيقة للقدرات السعودية التي يقود مشروعها وينفذه على طريقته سمو ولي العهد.
*دكتور علي الخشيبان Dr. Ali Al-kheshaiban: حاصل على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا الحكومية بأمريكا Penn State ،متخصص في علم الاجتماع السياسي، وأعمل حاليا مستشار وباحث في مركز البحوث والتواصل المعرفي، كاتب بصحيفة الرياض السعودية وعدة صحف خليجية ، محلل سياسي على القنوات الفضائية.