ماذا يعني تشكيل “الإطار التنسيقي” لحكومة العراق؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
تقرير: ريهام الحكيم
صَوَت مجلس النواب العراقي في جلسته الإستثنائية، الخميس 23 يونيو/حزيران، التي عَقدها بحضور 202 نائبًا على بدلاء نواب الكتلة الصدرية، الذين انسحبوا بطلب من زعيم التيارالصدري مقتدى الصدر.
أدى 64 نائبًا من أصل 73 من البدلاء، اليمين الدستورية لشغل عضوية المجلس، وتخلف تسعة نواب جدد عن الجلسة، خمسة منهم من الكتلة الصدرية، لرفضهم عضوية البرلمان، ومطالبتهم بإستبدال أعضاء آخرين من المرشحين الخاسرين بهم.
الجلسة تضمنت ايضاً تصويت أعضاء مجلس النواب على تعديل نظامه الداخلي، وإلغاء عبارة “هيئة الرئاسة”، وهى أحد خلافات رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ونائبه المستقيل حاكم الزاملي التابع للكتلة الصدرية.
وبصعود البدلاء، يكون “الإطار التنسيقي”، الذي يتألف من أحزاب شيعية موالية لإيران، قد استحوذ على 40 من مقاعد التيار الصدري، بناءً على الأرقام التي صدرت عن مفوضية الإنتخابات، حيث زاد عدد نواب “الإطار” إلى نحو 130، ما يجعله القوة الأكبر داخل مجلس النواب، ويتيح له إختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المتنازع عليها منذ انتخابات أكتوبر/تشرين 2021 الماضي.
و قبل ساعات من موعد انعقاد الجلسة، تحدث زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بلهجة شديدة ، توعد فيها “الإطار التنسيقي”، وأشار إليهم في حديثه بعبارة “أذرع إيران” ودعا حلفائه – الأكراد والسنة – في البرلمان إلى اتخاذ موقف شجاع من أجل الإصلاح، وإنقاذ الوطن، وعدم مسايرة ضغوطاتهم الطائفية – بالإشارة إلى نواب “الإطار التنسيقي” – ووصف الخطوة بـ “مرحلة دون فاسدين”.
حكومة “إطارية” بصبغة إيرانية
يضم “الإطار التنسيقي” عددًا من الأحزاب الشيعية التقليدية التي حكمت العراق منذ الـ 2005، منهم “إئتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتيار “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، و حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق. بالإضافة إلى مجموعة من الفصائل المسلحة المنضوية ضمن مؤسسة “الحشد الشعبي” من بينها “عصائب أهل الحق و”كتائب حزب الله” و”النجباء”. تلك الفصائل المسلحة إستطاعت إحكام القبضة على محافظات الوسط والجنوب ذات الكثافة الشيعية.
وأغلب تلك المجموعات من الموالين عقائديًا لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، وتلك الفصائل تعلن أنها جزء من الثورة الإسلامية الإيرانية العالمية، وتحمل مشروعاً يتعدى حدود العراق، وتقدم نفسها على أنها جزء مما يعرف بـ “محور المقاومة” المدعوم من إيران.
وبعد 18 عامًا من الهيمنة الإيرانية على العراق، أخذ الدور الإيراني في العراق في التراجع بعد إحتجاجات أكتوبر/تشرين 2019، المسمى بـ “إنتفاضة تشرين”، والتي نددت بالتدخلات الإيرانية في العراق وتسببت تلك الإنتفاضة في إسقاط حكومة عادل عبد المهدى وتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي في مايو/أيار 2020.
واعتاد العراق منذ سقوط النظام البعثي عام 2003، على التدخلات الخارجية من قبل جيرانه وخاصة إيران، فليس القرب الجغرافي فحسب، بل والتناغم المذهبي بين الشعبين العراقي والإيراني والتأثيرات المتبادلة التي تمارسها المؤسسات الدينية، كما أن ارتباط مجموعة من الأحزاب بإيران، صب في مصلحة الدولة الجارة، حيث جعلت من العراق منصة استفادت منها الجمهورية الإيرانية لأغراض مشروعها الإقليمي التوسعي و المنافسات الإقليمية.
لم تصب استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان، في مصلحة معسكر التغيير والإصلاح، ولكنه صب في مصلحة أحزاب “الإطار التنسيقي” – أو ما يعرف بـ “الأحزاب التقليدية” – التي تتبع إيران.
وعلى مدار ثمانية عشر عامًا، سعت الأحزاب التقليدية إلى الإستفادة من ضعف قبضة الدولة، بعد سقوط النظام البعثي، والسيطرة على المؤسسات وعملوا على بناء مساحة خاصة لهم من السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وتراجعت شعبية تلك الأحزاب لدي جمهور الشيعة من سكان محافظات الوسط والجنوب، وتصاعدت حدة الغضب الشعبي تجاههم وتجاه إيران، وتجلى الصدام بين أحزاب إيران ومجتمع الجنوب في احتجاجات أكتوبر/تشرين عام.
وما زالت أحداث عام 2019، تلقي بظلالها على المشهد السياسي في البلاد.
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، أن “مهمة تشكيل الحكومة التي يقود الحراك الخاص بها حالياً الإطار التنسيقي، ستكون أسهل على المستوى المحلي، كونه يريدها حكومة توافقية تجمع كل الأطراف، ولن يضع شروطاً قاسية عليها ومن المرجح ان يستجيب الإطار للشروط التي ستضعها القوى الحليفة للصدر (الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني)”.
ولكن البيدر لم يستبعد تدخل القرار الإيراني وسلطته على الحكومة القادمة التي سيشكلها “الإطار” وداخله أطراف سياسية تمتلك أذرع مسلحة ستكون جزءاً من تلك الحكومة.
ويرى أنه “من المستبعد أن يكون نوري المالكي، مرشحاً لرئاسة الحكومة، لأنه قد يفضل الترفع عن التواجد كرأس للسلطة التنفيذية، وأنه حاليًا يعيش حالة من التصوف السياسي ليقدم نفسه كزعيم أكبر من منصب رئيس الوزراء الذي سيكون أداة للأطراف السياسية المختلفة”.
وبحسب المحلل العراقي، فمن المرجح أن يدفع المالكي بشخصية بديلة له وتكون قريبة منه، لتتلائم قرارات تلك الشخصية مع مواقف المالكي، وقد يكون رئيس الوزراء المقبل واجهة للمالكي.
أما عن الكتل السنية والكردية، فرأى البيدر، خلال حديثه لـ”وايت هاوس إن آرابيك” أن” موقف تلك القوى غير موحد، فهنالك ساسة سنيين مقربين من إيران مثل تحالف عزم، وأخرون حلفاء للصدر، مثل تحالف السيادة، وكذلك هناك أكراد مقربون من إيران مثل “الإتحاد الوطني الكردستاني، وآخرون مقربون من الصدر، وهم الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويعتقد البيدر، أن “حلفاء الصدر من السنة والأكراد، لن يختاروا صف المعارضة وسيضطرون للمشاركة في الحكومة الجديدة التي سيشكلها الإطار التنسيقي، لضمان بعض المكتسبات للمكونيين السني والكردي، وحتى لا يكون هناك إستبدال لهم بشخصيات من تحالف “العزم” و”اليكتي” القريبان من طهران”.
وتوقع البيدر أن لا يزيد عمر تلك الحكومة أكثر من عام، بسبب إحتقان الشارع بشكل عام ونقمته على الأوضاع المعيشية وسوء المشهد السياسي والخدمي.
يقابل هذا الإحتقان الشعبي، سعي الأحزاب “التشرينية” التي تمخضت عن الاحتجاجات، للعودة مجدداً إلى التظاهر ورفضهم المشاركة في العملية السياسية بوضعها الحالي، وهو ما يزيد من فرص اللجوء إلى الشارع بثوب وطني جديد، ومواقف أكثر إصلاحية، ما يعني أن العراق قد يشهد تظاهرات وإحتجاجات بنطاق أوسع قد تصل إلى مدن جديدة.
وبالإضافة لأحزاب وحركات “تشرين”، فإن خروج الصدر من باب البرلمان – في رأي البيدر- لا يعني خروجه من العملية السياسية، فقد يعود إليها من نافذة الإحتجاجات، أو يكون جزءاً أساسيا من مشروع الإحتجاجات القادمة، وبحدة أعنف وتنظيم أكثر وهو ما سوف يؤدي إلى إزاحة الحكومة سواء كانت قريبة أو بعيدة من طهران.
لماذا فشل مشروع التحالف الصدري العابر للمكونات؟
في خطاب ألقاه الصدر في 16 مايو/أيار، تعهد الصدر المحبط بشكل واضح بعدم إبرام صفقة مع منافسيه من الشيعة، كما ألمح إلى قدرات ميليشيا “سرايا السلام” التي فتحت الأبواب مؤخراً أمام مجندين في محافظتي بابل وديالى.
وفشلت محاولات إيران بإصلاح الإنقسام الشيعي بين أحزاب “الإطار” و”التيار” – وهو الدور الذي كان مسؤول عنه الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في يناير/كانون الثاني 2020.
ولم يتمكن الصدر، الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في الإنتخابات، من حشد عدد كافٍ لتمرير مشروعه الرامي لتأليف حكومة “أغلبية وطنية”.
يفسر هذا الإخفاق الدكتور إياد العنبر، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة بالنجف، بـ”قرار المحكمة الإتحادية الذي اشترط النصاب في انتخاب رئيس الجمهورية باغلبية الثلثين”.
الجانب الآخر، بحسب العنبر، هو “وجود إرادات ضغطت لبقاء القوى السياسية المناوئة للصدر متمسكة بتحالفها داخل الإطار التنسيقي، بالإضافة إلى الإنشقاقات داخل التحالف السني (عزم) وإنضمامهم لقوى الإطار التنسيقي “.
هذه العوامل بالمجمل جعلت من تمرير مرشح رئيس الجمهورية صعب جداً على تحالف الأغلبية. يقول العنبر.
ويري الأكاديمي العراقي خلال حديثه لـ”وايت هاون إن آرابيك” أن “مسألة تشكيل الحكومة بأغلبية 165 صوتا، الآن باتت تتعلق بالدرجة الأولى بالإتفاقات التى ممكن أن تسهم بانتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم تكليف رئيس مجلس الوزراء.. هذه التفاهمات حتى الآن غير واضحة، وكيف يمكن أن يتم التعامل مع الفرقاء الكرد والفرقاء السنة وغيرها من القضايا التي تتعلق بالاتفاق على اسم رئيس الجمهورية، ومن ثم الحديث عن الخطة الأخرى”.
عن شكل تلك الحكومة، يؤكد العنبر، “بشكل عام فإن العراق لن يشهد بعنوان صريح، بأنها (موالية لإيران ومعادية لأميركا)، فضلاً عن أن إيران ربما لن تجازف بتبني حكومة، ولن تكون مسؤوله عن تشكيل حكومة”.
يرى العنبر، أن “التوقيت الحساس الآن يكمن في قدرة الحكومة القادمة على إقناع المواطنين العراقيين، بالوضع الخدمي الحالي، في ظل ارتفاع نسبة التذمر في محافظات الوسط والجنوب بالتزامن مع وجود وفرة مالية”.
في غمرة تلك السجالات والصراع السياسي، فإن الترقب في العراق ما زال سيد الموقف، على رغم اتضاح خارطة التوازن وأصحاب القوة، فتربص الصدر بحكومة الإطار، والاشمئزاز الشعبي من حلفاء طهران، قد يقلبان المعادلة السياسية بشكل تام، ما يؤشر إلى انبعاث احتجاجات أقوى من نظيرتها في العام 2019، لكن هذه المرة قد لا يقبل المتظاهرون، بانتخابات مبكرة، وإنما قد يطال سقف المطالب طبيعة النظام السياسي وشكل الحكم في البلاد.