آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

سوريا على درب الآلام

أيمن حقي

 

حال سوريا اليوم يكاد يصيب جسدي بالخدر الكامل لما آلت إليه الأمور في مسقط رأسي، أنا السوري الأميركي المغترب منذ عشرات السنين، إذ لا أجد أي مبرر للحقيقة الصادمة “أن لا أحد يدير اهتماماً بعد إلى سوريا”!

لقد كان التناقض في تغطية معاناة سوريا مقارنة بالحشد الإعلامي الدولي لمعاناة أوكرانيا، صارخاً ومحبطاً في بعض أوجهه؛ تناقضٌ كدت أن أعزوه إلى تحّيز ثقافي وعنصري محتمل. لكن، عندما تكون الشخصية التي تبدي تجاهلاً للقضية السورية العادلة، هي نفسها من عاصرت معاناة أخواتها وإخوتها في الإنسانية على مدى عقد من الزمن، وهي على مستوى من النزاهة المهنية والخلفية الجندرية والعرقية كما في حالة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، عندها ستكون صدمتي أكبر من أن أصفها في كلمات!

كيف يمكن لسفيرة واشنطن إلى الأمم المتحدة حين تخاطب طلاب الشؤون الخارجية في حفل تخرّجهم، وتتوجّه إليهم أولياء أمورهم المتنوعين إثنياً، أن تتجاهل في خطابها ذكر سوريا ضمن قائمة طويلة من الاهتمامات بالشأن الدولي؟

كنت الأسبوع الماضي ضمن الحضور لحفل تخرّج ابنة أخي من كلية الشؤون الخارجية والعامة بجامعة كولومبيا SIPA. كانت ليندا توماس غرينفيلد المتحدث الرسمي في حفل الافتتاح. كنت شغوفاً للاستماع إلى مراجعتها للشؤون العالمية المحورية التي تعالجها يومياً بصفتها سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة.

للمفاجأة، فقد تناولت السفيرة غرينفيلد قائمة طويلة لكل موضوع كبير وصغير يمكن تصوره، باستثناء سوريا!

وقد يكون الأمر غير جديراً بالإشارة إليه لو لم تكن غرينفيلد تخاطب جمهوراً من طلاب الشؤون الخارجية، وأولياء أمورهم من النخبة المتنوعة، ولولا أن المتحدثة لم تكن امرأة ملونة. أما حين انتهت من إلقاء كلمتها، فما كان من عدد من أولياء الأمور السوريين الأميركيين إلا أن نهضوا وصرخوا: “سوريا ، سوريا”!

لقد عرّجت السفيرة في خطابها إلى جرائم القتل في ميتشجن، وأزمة الاحتباس الحراري، وغياب المساواة العرقية، وقرأت علينا الرؤية الأميركية واستراتيجية واشنطن في أوكرانيا، ووجهت تحية شخصية للصحافية الشهيدة الفلسطينية شيرين أبو عقله، إلا أنها لم تأتي ولا تلميحاً على ذكر معاناة السوريين على امتداد عقد من الزمن ولو باستخدام عبارات تقليدية ممجوجة يستخدمها الدبلوماسيون عادة بشكل روتيني لإبداء أسفهم على حالة دولية قد استعصى عليهم إيجاد حلول سياسية وإنسانية لها.

أعتقد أن الأمر مقلق على عدة مستويات، إذ أن كل من يتابع حالة الغزو الروسي لسوريا ثم أوكرانيا، سيكتشف سريعاً أوجه التشابه بينهما. أما الجنرال الروسي الذي انتقل من سوريا لقيادة القواة الروسية الغازية لأوكرانيا، والذي يُطلق عليه الصحافيون الذين يغطون الحملتين الروسيتين لقب جزار حلب، فالواضح أن مهمته التي حدّدها له الرئيس بوتين هي تمكين بشار الأسد في سوريا واقتلاع فلوديمير زيلينسكي من أوكرانيا.

الآن أتساءل: هل كان “عدم” ذكر سوريا في خطاب السيدة غرينفيلد أمراً عابراً أم أنها سياسة مرسومة؟ هل نسيت الأزمة التي كانت تتحدّث عنها بقوة في بروكسل قبل بضعة أسابيع، أم أن شخصاً مسؤولاً عن تنقيح خطابها في وزارة الخارجية أخرج الشأن السوري من العنوان؟

في كلا الاحتمالين كان إسقاط سوريا من الخطاب خطاْ جلياً لا يليق بمسيرة سفيرة رفيعة المستوى في وزارة الخارجية، وإعطائها دروساً في الحياة للطلاب الذين يدخلون عالم الشؤون الخارجية والخدمة العامة.

السفيرة غرينفيلد امرأة ذات تاريخ دبلوماسي مهني وأوراق اعتماد وثيقة لا يرقى إليها الشك، ولذلك كان صادماً بالنسبة لي، ولمعرفتي بتمكّنها وقدرتها على إيصال الرسائل الدبلوماسية بحنكة ومراس، أن أراها تتجاهل طريق الآلام السوري الذي سار على دربه المُدمّى شعب بأكمله حاملاً صليبه فوق ظهره المحني.

زر الذهاب إلى الأعلى