الاستماع للمقال صوتياً
|
لطالما كانت دول الخليج العربي معنية بحروب إيران بالوكالة في المنطقة وتطويرها للصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل إلى أراضيها أكثر من اهتمامها ببرنامجها النووي. ضمن هذا السياق المبتور، تم وضع هذه القضايا جانباً أثناء المناقشات حول خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية التي أبرمت في العام 2015، ومازالت أولوية الولايات المتحدة وشركاؤها في المفاوضات التي تدور اليوم تتمثّل في العودة إلى الامتثال للاتفاق على أن تتم معالجة المخاوف والملفات المعلّقة لاحقاً.
هو التوجّه الذي سارت عليه إدارة أوباما في مقاربتها للملف النووي الإيراني الذي شهد مفترقاً عظيماً في منحاه مع إدارة ترامب في تعليقه لاتفاق 2015، ورفعه من مستوى العقوبات على إيران. إلا أن إدارة بايدن المتلهفة للعودة إلى الاتفاق المبرم مع عرابها السياسي أوباما، لا تجد ضيراً من تجاوز تحفظات دول مفتاحية في المنطقة كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من أجل إحياء الاتفاق مع إيران، وبأي ثمن.
فماهو موقف الدولتين النافذتين في الخليج العربي من تسارع المفاوضات التي ستفضي قريباً جداً إلى اتفاق نووي كامل مع رفع العقوبات عن طهران؟ وهل غيّرت حرب روسيا على أوكرانيا من موقفهما لجهة إعادة العلاقات المتشنجة مع الولايات المتحدة إلى مستوى الحوار الدبلوماسي الهادئ الذي بإمكانه أن يرمّم الصدع الواقع مع الحليف التاريخي الواشنطني لدول الخليج، ما سيسمح تالياً بإنجاز اتفاق قد يرتقي إلى درجة معاهدة متكاملة مع إيران تجلب السلام للمنطقة والعالم، وتطمئن دول الجوار إلى مستقبل العلاقة مع طهران التي سيتوجّب عليها تغيير سلوكها الأمني العدواني الذي انعكس كوارث وويلات؟
دول الخليج التي عارضت باستمرار هذا الاتفاق تبدو أكثر ليناً مع الجار اللدود في طهران، وهي أقرب اليوم إلى قبول دعم إحيائه، كما أن بعضها شرع بجهود خاصة للتعامل مع إيران بشكل مباشر كالزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران حيث استقبله الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي، وكانت الزيارة الأرفع بين مسؤولين إيرانيين وإماراتيين خلال عقد من الزمن. كما قامت المملكة العربية السعودية بإطلاق حوارها الخاص مع إيران في بغداد بوساطة من الحكومة العراقية، ومازال الحوار مستمراً رغم بطء خطواته وضبابية نتائجه.
الأخذ بزمام الأمور في التعاطي مع طهران جاء نتيجة مباشرة لعدم اليقين وغياب الثقة في العلاقة مع واشنطن وكيف ستتطور ضمن دوائر إدارة الرئيس بايدن الذي يتأبط حزمة تصورات متشدة تجاه الرياض وأبوظبي.
فالرئيس بايدن وصل إلى البيت الأبيض حاملاً برنامجاً صارماً لتعليق تزويد المملكة العربية السعودية بأسلحة هجومية بهدف منعها من “متابعة حربها ضد الميليشيات الحوثية” في اليمن المجاور، وفي الأشهر الأولى من توليه منصبه، رفع بايدن التصنيف الأميركي للحوثيين المدعومين إيرانياً بالسلاح والعقيدة القتالية على أنها مجموعة إرهابية وأدرك لاحقاً تسرّعه بهكذا قرار، كما قام بسحب منظومات دفاعية استراتيجية أميركية كانت ثابتة على أرض المملكة لعقود بهدف المساعدة في حماية أجوائها، وإدارته ترفع باستمرار إصبع التهديد لفرض المزيد من الإجراءات على ما تصنّفه “انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان”. أما أبوظبي، فقد أخفقت في الحصول على طائرات أف 35 الأميركية وأفشلت واشنطن الصفقة وهي في مراحلها الأخيرة. وقد كان إحجام واشنطن عن بيع طائرات أف 35 المتطورة سبباً رئيساً في تموضع الإمارات في مسار مناوئ تماماً لإرادة واشنطن خلال مواقف عديدة كان أعظمها اصطفاف أبوظبي مع موسكو في حربها على أوكرانيا، ورفضها – وشقيقتها الرياض- زيادة إنتاج النفط في الوقت الذي طلبت واشنطن ذلك من أجل تحقيق استقرار في أسعار الطاقة العالمية إثر العقوبات الدولية التسي فُرضت على تصدير النفط الروسي.
ومع تجدّد هجمات الحوثيين على مواقع استراتيجية وحيوية في المملكة العربية السعودية واستهدافها غير المسبوق لمواقع نفطية إماراتية، وكذا رفض الحوثيين التوجّه للمشاركة في الحوار اليمني– اليمني الذي دعت إليه الرياض بعد أن أعلنت وقف عمليات التحالف العسكرية ضدهم بشكل كامل خلال المحادثات، سيكون من الصعوبة بمكان إنجاز اتفاق مع إيران ترضى عنه الدول المعنية في الخليج ولاسيما في ظل تراجع الأقنية الدبلوماسية بينها وبين واشنطن إلى درجات غير مسبوقة من غياب الثقة وتدنّي الرغبة في التعاون على إيجاد حلول مستعجلة للطوارئ العالمية التي نجمت عن حرب روسيا الهوجاء، حيث سيحتاج الطرفان الأميركي والخليجي إلى أقصى درجات التفاهم لإعادة الميزان الدولي الطاقوي أقرب ما يمكن إلى نصابه في ظل تداعيات استخدام موسكو لسلاح الغاز والنفط الذي سيكون أشد وطأة على العالم بأسره من تهديدات إنجاز إيران لبرنامجها النووي.