الاستماع للمقال صوتياً
|
رسالة المحرّر
مرح البقاعي
في شهادته أمام الكونغرس عن الحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاساتها على الاستقرار والعلاقات الدولية، أفاد مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، ويليم بيرنز، “أن الحكومة الصينية وخصوصاً الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يحيطهما القلق الشديد من حالة عدم الاستقرار التي تسبّب بها الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا”. وأوضح بيرنز أن الصين غدت “غير مستقرة” بسبب النكسات الروسية في أوكرانيا، وأنه بالرغم من الاستثمارات الصينية الضخمة في شراكاتها المتعددة الأوجه مع روسيا التي عقدتها في السنوات الأخيرة، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد رسم شروخاً عميقة في العلاقات البينية بين موسكو وبكين.
ويعتقد بيرنز أن الصين ستتأثر كثيراً على المدى القريب والبعيد في سمعتها الدولية إذا ما حدث الربط بينها والواقع البشع للغزو الروسي الذي يشهد العالم بأسره أهواله. وأن الزعيم الصيني شخصياً يشعر بالقلق نتة لصعود المارد الأوربي بصوت واحد ضد حليف له هو روسيا.
من المرجّح، كما تتداول الأوساط السياسية في واشنطن، أن هذه الحالة من التوتر السياسي الذي يصيب الحكومة الصينية قد ينعكس مباشرة وبشكل سلبي على طموح بوتين – شبه الواثق – بأن القوة المالية الصينية العملاقة ستسانده ليتجاوز ذيول العقوبات الغربية المتصاعدة التي فرضها العالم الحر عليه نتيجة لأعماله العنفية المعادية للسلام والأمن الدوليين.
أما التعاطف الذي يبديه الزعيم الصيني شي مع نظيره بوتين، فمردّه يرجع إلى الطموحات الجيوسياسية التي يشتركان بها، والتي تتعلق لدى بكين بمقاطعة تايوان تحديداً – التي يعتبرها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم إقليماً منشقاً عن البلاد، تماماً بما يشابه نظرة بوتين إلى إقليم دونباس، وشبه جزيرة القرم، وأوكرانيا بكامل أراضيها التي تقع في مرمى بوتين لاجتياحها والاستيلاء عليها حيث تُضاف اليوم لقائمة التغوّل الروسي كما اتضح للعالم بأسره.
تلك الطموحات الجيوسياسية للبلدين لا بد أن تتفكك – على الأقل من طرف الصين – التي لن تزج نفسها بسهولة في المأزق التاريخي الذي وقعت فيه موسكو على يد رئيسها، وقد يكون الرئيس شي أكثر حكمة وأقل رعونة من نظيره الروسي في أن يجرّ بلده إليه، وسيعرف الأخير الوقت المناسب الذي سيقول فيه: لا لبوتين.
ولن ننسى هنا أن أوروبا، وهي الحليف العالمي الأكبر للولايات المتحدة، تشكّل بالنسبة للصين بيضة القبّان السياسية في علاقاتها المضطربة والصدامية مع واشنطن، هذا إلى جانب التبادلات التجارية الضخمة بين الصين ومعظم الدول الأوروبية؛ ولن تجازف بكين بسهولة بحاجتها السياسية للدعم الأوروبي في حال احتكاك متوقّع مع الولايات المتحدة، والذي سيصبح أقرب للواقع من أي يوم مضى إذا ما دعمت الصين روسيا وحمتها من العقوبات الأميركية، ما ستعتبره واشنطن موقفاً عدائياً تتخذه القيادة الشيوعية الصينية من قراراتها المدعومة دولياً لكبح جماح بوتين والحدّ من استقوائه على أوكرانيا ومن سيأتي في قائمته التوسعية من بعدها!