الاستماع للمقال صوتياً
|
يحذر البنك الدولي، وهو الذي اعتبر لبنان منذ فترة طويلة دولة هشة وساحة للنزاع والعنف، من أن البلد يواجه تهديدات حقيقية في عمق سلمه الاجتماعي الهش أصلاً. مع بقاء الاحتياطيات النقدية لدى البنك المركزي في حدود 12 مليار دولار دون زيادة تذكر ، وانحدار الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 20 مليار دولار من 55 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، وانخفاض قيمة العملة المحلية (الليرة اللبنانية) إلى 92٪ من قيمتها، بلغ معدل الفقر في بلاد الأرز 80٪.
كان السقوط إلى الهاوية في العام الماضي دراماتيكياً لدرجة أنه، وفقًا لنشرة “مرصد لبنان الاقتصادي” لربيع 2021، تعد الأزمة الحالية واحدة من أسوأ ثلاث أزمات اجتماعية واقتصادية ومالية في العالم على مدار الـ 150 عاماً الماضية.
ليس من المبالغة أن نقيّم أهمية المساعدة الأمريكية للبنان في فترة إعادة الإعمار بعد الحرب وحتى يومنا هذا، بما في ذلك المشاريع التنموية الحكومية وغير الحكومية، والتي ساهمت في أجزاء كبيرة في الحفاظ على العلاقات الأمريكية اللبنانية من القاعدة الشعبية إلى قمة الدبلوماسية، ولاسيما في التأكيد على الوجود الأمريكي ودوره المهم في الحفاظ على الاستقرار والأمن في هذا الموقع الاستراتيجي من الشرق الأوسط.
تماشياً مع هذا الدور، وصل كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي، عآموس هلشتاين، إلى بيروت في 19 تشرين الأول/ أكتوبر للعام 2021 ليتحاور مع المسؤولين حول كيفية مساعدة لبنان على إيجاد حلول مستدامة لقطاع الطاقة.
وللمساعدة في حل مشكلة الكهرباء اللبنانية القائمة منذ عقود، والتي استنزفت 40 مليار دولار من 90 مليار دولار من الدين العام للبنان، ولدعم الشعب اللبناني الذي يعيش في العتمة والبرد، سهّلت الولايات المتحدة مشروع الغاز المصري الإقليمي بمنحة من البنك الدولي، والذي سيؤمن من خلال الأردن طاقة نظيفة ومستدامة للبنان، مع التأكد من استمرار سريان عقوبات قانون قيصر على النظام السوري.
وجاء الدعم لهذا المشروع من السفيرة الأمريكية في لبنان، السيدة دوروثي شي، والرسالة التي نقلتها وزارة الخزانة الأمريكية بعد لقائها مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في 14 كانون الثاني/يناير للعام 2022.
مشروع إحياء خط الغاز العربي بتسهيل وتشجيع من حكومة الولايات المتحدة (USG)، أطلقه وزير الطاقة اللبناني وليد فياض في 28 كانون الأول/ديسمبر للعام 2021 ، في طرابلس، شمال لبنان. المشروع الذي يمتد لـ 18 شهراً سيجلب حوالي 650 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً إلى لبنان ، مما يؤدي إلى إنتاج 450 ميجاوات من الكهرباء من إجمالي 3000 ميجاوات المطلوبة، مما يضيف 3-4 ساعات من الكهرباء إلى الإمداد الحالي الذي يبلغ ساعتين يومياً.
يجلب هذا المشروع ضوءاً بسيطاً إلى النفق المظلم الذي يمرّ به لبنان اليوم حيث فشلت مؤسسات الدولة بسبب فساد القادة السياسيين اللبنانيين. فخلال العام 2020 ، وصل مؤشر الفساد في لبنان إلى أعلى مستوى له على الإطلاق ، حيث احتل المرتبة 149 من أصل 180 دولة في مستويات الفساد، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية.
إن نظام الحكم السياسي السائد في لبنان، والافتقار إلى تشريعات برلمانية عاجلة، ونظام قانوني عادل، وشفافية وحداثة، كلها أعلام حمراء تمنع اختراق العجز القائم والتقدم نحو الحكم الرشيد. وبما أن النظام السياسي في لبنان يقوم على ديمقراطية برلمانية، فإن الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة (أيار/ مايو 2022) ستشكل فرصة حقيقية للشعب اللبناني لانتخاب ممثلين يعملون لصالح الجمهور وليس لمصالحهم الضيقة الخاصة. برلمان لبناني تمثيلي حقيقي، يشرع الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، بما يتوافق مع مطالب المجتمع الدولي قبل تقديم دعم مالي إضافي، والذي يمكن أن ينقذ البلاد من انهيار اجتماعي وشيك،ى بعد أن صارت ساحة مفتوحة للمافيات المدمّرة وشركائها في تقويض مستقبل البلاد.
أما إذا بقي الوضع في لبنان على ما هو عليه، فهناك مخاوف جدية من عودة الخلايا الإرهابية في لبنان المستفيدة من الوضع الاقتصادي والمالي المتردي، لنشر الفوضى، خاصة في أعقاب انكماش الموارد البشرية في مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية.
فهل حقاً لا مفرّ من أن يعيد التاريخ نفسه؟