الاستماع للمقال صوتياً
|
في الرابع من شهر يناير/ كانون الثاني من العام الجديد 2022، أعلن البيت الأبيض في بيان رسمي عن اجتماع عبر الهاتف أجراه مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، مع نظرائه من دول الشمال الأوروبي الخمس (الاسكندنافية). هدف الاجتماع كان التشاور وتبادل الرأي حول سبل تعزيز الأمن عبر المحيط الأطلسي.
ناقش السيد سوليفان ونظرائه استعدادهم للتحرّك بعواقب قاسية يفرضونها على روسيا إذا ماتورطت في مزيد من العدوان على أوكرانيا. كما شدّد المجتمعون على أهمية الدبلوماسية للحد من تصعيد الموقف من خلال تنسيق التعاون بين مجموعة “حوار الاستقرار الاستراتيجي”، ومجلس الناتو- روسيا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وأكّد المجتمعون التزامهم بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وعلى حق كل دولة في اختيار تحالفاتها. بينما أشاد سوليفان بالتزام دول الشمال الأوروبي بالقيم والمبادئ التي يقوم عليها الأمن الأوروبي.
الدول المشاركة في الاجتماع الهاتفي كانت: الدانمارك، فنلندا، أيسلندا، النرويج والسويد.
للوقوف على الموقف الرسمي للدولة الاسكندنافية التي تربطها علاقات راسخة مع الولايات المتحدة وهي الدانمارك، اتصل محرّر منصة “وايتهاوس ان أرابيك” مع النائب في البرلمان الدانماركي، عضو لجنة الخارجية، والرئيس الأسبق للجنة الدفاع في البرلمان، ناصر خضر، وأرسل لنا هذا التحليل الحصري لمجريات الاجتماع وما يمكن أن يُبنى عليه.
قال السيد خضر في رسالة وجهها إلى الإدارة الأميركية عبر “وايتهاوس ان أرابيك”:
“لقد كانت خطوة ذكية اتخذها مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، لتسليط الضوء على الاستعداد لفرض عواقب وخيمة على روسيا إذا انخرطت في مزيد من العدوان على أوكرانيا. وبعد أيام فقط، أكدّ الرئيس بايدن في تصريح له على ما قاله مستشاره. نحن في دول الشمال الأوروبي نرغب أن تتعامل معنا واشنطن باستمرار كحلفاء أقوياء كما كنا دائماً.
عزّز الاجتماع الذي دعا له سوليفان، علاقة إدارة بايدن الوثيقة مع دول الشمال الأوروبي. وقد صرّحت رئيسة الوزراء الدانماركية، ميتي فريديركسن، في خطابها بمناسبة العام الجديد “إن الدانمارك تحافظ بحزم على قيمنا، وستستمر بتعزيز الأمن والاستقرار بالتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائنا الآخرين في الناتو”. كما استخدم كل من رئيس فنلندا ورئيس وزرائها خطابات العام الجديد للتأكيد على علاقة بلادهم المتينة بالولايات المتحدة، واحتفظوا بخيار السعي للحصول على عضوية الناتو في الوقت المناسب. إن علاقة الولايات المتحدة مع دول الشمال قوية جداً جداً هذه الأيام، وأعتقد أن هذا أمر جيد.
في حقيقة الأمر، شدّد سوليفان على أهمية الدبلوماسية لتهدئة الموقف، وذلك من خلال الناتو ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لكن الاعتقاد بأن علاقة أفضل مع روسيا يمكن أن تتحقق من خلال الناتو أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هو منظور ساذج. فبالنسبة إلى الرئيس بوتين، يشكّل الناتو في ذاكرته مناسبة سيئة للغاية تذكّر بضعف روسيا وانهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، الأمر الذي يثير الكثير من الامتعاض عند الرئيس الروسي.
أعتقد أن دول الشمال، وخاصة فنلندا ودول البلطيق على الجانب الآخر من بحر البلطيق، كانت قلقة للغاية من تطور الأحداث في أوكرانيا. وحتى وقت قريب، كانت قلقة بدرجة أقل من نهج الصين العدواني تجاه هونج كونج وتايوان. لقد تغير ذلك منذ أن سمحت الحكومة الليتوانية لمكتب التمثيل التايواني في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، بحمل اسم تايوان، بدلاً من تايبيه، الاسم الذي تستخدمه معظم الدول الأخرى لتجنب الإساءة إلى الشيوعيين الصينيين.
ساندت الولايات المتحدة بالطبع ليتوانيا في قرارها، وكما أرى، فهذه دعوة مفتوحة لروسيا لإصلاح علاقتها مع ليتوانيا ودول البلطيق ودول الشمال الأخرى، والتركيز أكثر على منافسة القوى العظمى في أوراسيا.
أعتقد أن دول الشمال، وخاصة دول البلطيق الثلاث، تشعر بنوع من خيبة الأمل لأن إدارة الرئيس بايدن لم تكن قادرة على إقناع الرئيس بوتين بأن التنمّر على جيران روسيا يأتي بنتائج عكسية. أفترض هنا أنهم جميعاً يعرفون أن العدو الحقيقي هو الصين. وللفوز بالسباق على أوراسيا، يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا بناء تحالف ضد الصين بدلاً من إثارة المخاوف بين بعضهم البعض. وهذا الأمر سيؤسس لعلاقات أفضل مما هي اليوم.
في ضوء ذلك، كان خبراً جيداً للدانمارك وبلدان الشمال الأوروبي ودول البلطيق الأخرى، أن بايدن عقد مؤخراً اجتماعات عبر الهاتف مع نظيره بوتين.
بطبيعة الحال، ستظل روسيا حساسة للغاية لوجود لاعبين أقوياء بالقرب من حدودها، لكن إذا تمكنا من تقديم ضمانات لبوتين فيما يتعلق بتوسّع الناتو، أعتقد أن الرئيس بايدن حينها سيكون قادراً على التوصّل إلى تفاهم مثمر مع روسيا، بما في ذلك إمكانية تحالف ضد الشيوعيين في الصين. الهدف الواضح هو الهيمنة في شرق آسيا، والتي يجب علينا جميعاً، بما فيه روسيا، منعها من الحدوث”.
انتهت الرسالة