مقال الرأي

مصير الاتفاق النووي الإيراني، بايدن أمام مفترق طرق

د. سمير التقي

الاستماع للمقال صوتياً

في الأصل، تأسست فلسفة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 على منع إيران من الوصول للمواد الانشطارية الصالحة لصنع القنبلة النووية، وتوفير نفاذة زمنية احترازية للولايات المتحدة الامريكية ل 12 شهر للرد على أي اختراق ايراني للاتفاق واقترابها من انتاج القنبلة النووية. لكن ايران، وبالرغم من توقيعها للاتفاق النووي عام 2015، وعدم انسحابها منه، استمرت في خرقه بشكل منهجي. ناهيك عن خرقها لمجمل الاتفاقيات التي وقعتها منذ عام 1968 حول منع انتشار الأسلحة النووية من حيث الأساس.

وتجري المفاوضات الحالية على خلفية التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران سرعت برنامجها النووي وخرقت القيود التي يفرضها اتفاق عام 2015 على تخصيب اليورانيوم. واستنادا إلى النتائج التي توصلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مخزون إيران من المواد الانشطارية، يحسب الخبراء النوويون في “مؤسسة العلوم والامن الأمريكية” المرموقة، أن إيران يمكن أن تحصل على ما يكفي من المواد المستخدمة في صنع الأسلحة لإنتاج قنبلة نووية واحدة في أقل من ثلاثة أسابيع.

تثير الحالة الراهنة للمفاوضات أسئلة جوهرية حول جدوى المعايير المؤسسة للاتفاق النووي مع إيران. فبعد ان ركزت الدبلوماسية الامريكية على كبح جماح البرنامج النووي وليس الغائه نجد آن النافذة النووية تقلصت لعدة أسابيع بدل 12 شهرا، في حين تستمر أجهزة الطرد المركزي المتطورة في الدوران.

إضافة إلى ذلك، كان الاتفاق النووي عام 2015 اتفاقا منفصلا، ولم يكن صفقة شاملة تعالج السلوك الإيراني الإقليمي ومنظومات الصواريخ وانتهاكات حقوق الإنسان. ولقد رفضته إدارة الرئيس ترامب بسبب طبيعته العملياتية وافتقاده لأي أفق لتحويل السلوك الايراني. يشير واقع الحال إلى ان ايران لا تقوم بالتخصيب لمستوى مقارب للتذخير النووي بسبب تغيير عدائي في البيئة الإقليمية، بل على العكس. فبعد الإطاحة بصدام وفك الارتباط العسكري البري الأمريكي من المنطقة، يتم التصعيد النووي الإيراني الأخير بالضبط بالاستفادة من هذا الفراغ، ليندرج هذا الجموح ضمن توسع ايران الإقليمي المزعزع وتهديدها للأمن والسلام الإقليميين.

ثمة العديد من الدول على العتبة النووية، لكنها جميعا ابدت ضبطا للنفس والتزاما كاملين بمتطلبات الهيئة الدولية، في حين كشفت نشاطات إيران السرية لتخصيب اليورانيوم واطلاقها للصواريخ نحو الفضاء عن شكوك جوهرية في المصداقية والمقصد.

إذا، المشكلة مع ايران هي في خرقها للاتفاقات من جهة، وفي المقصد الاستراتيجي من جهة أخرى وفي غموض بنية اتخاذ القرار من جهة أخرى أيضاً.

في الماضي، أمكن عبر الدبلوماسية وبناء الثقة كبح احتمالات الاحتكاك النووي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة عبر شفافية آلية اتخاذ القرار، وشفافية المقاصد الاستراتيجية العقلانية الدنيوية لكلا الطرفين. المعضلة الإيرانية تتلخص في خلاسية وازدواجية آليات اتخاذ القرار في طهران، وفي الطابع الثيوقراطي للمقصد من جهة أخرى.

أما وأن إيران قد أصبحت من دول العتبة النووية، تتلخص الاستراتيجيات الدبلوماسية الممكنة للإدارة الأمريكية في إبقاء قدرات

إيران النووية كامنة. ولكن كيف؟

ان فشلت المفاوضات في تحقيق الأهداف السابقة كاملة، يصبح أي اقتراح للقبول بنصف اتفاق غير وارد، ليعود السؤال امام إدارة بايدن عن ماهية الخطة البديلة.

بالإضافة للعقوبات، قد تضاعف الولايات المتحدة وإسرائيل هجماتهما الهجينة والعمليات الاستخبارية لتعطيل البرنامج النووي، ولكنها لا يمكن ان تمضي في ذلك بعيداً.

أمام التزام الرئيس بايدن بعدم السماح لإيران بحيازة السلاح النووي سيعود النقاش حول الخيار العسكري، إلا ان هذا الخيار يبدو مستبعدا بسبب عدم امكان قصف “المعرفة” من جهة، وبسبب وما قد يثيره من رد فعل قومي عنيف داخل إيران ناهيك عن مخاطر التلوث البيئي. فما لم تقم إيران بالإعلان عن امتلاكها للسلاح النووي، ستكون الخيارات محدودة.

والحال هذه، ثمة خيار أخير امام إدارة بايدن وهو العودة للاستراتيجية التقليدية ضد الخصوم غير المنضبطين: الاحتواء والردع. للتحقق من قدرات إيران النووية وإجراءاتها الإقليمية. وبالرغم من ان حل المعضلة الإيرانية قد يحتاج لعقود، يترتب على إدارة بايدن ان تجترج الآن استراتيجية واضحة ذات مغزى في ظل تصاعد المحموم لنشاط إيران الإقليمي والصاروخي المتضافر مع التهديدات النووية الكامنة.

خلقت إيران في الشرق الأوسط معضلة خطرة جدا على مجمل السلم العالمي، وستبقى معضلة كسر الالتزام بحظر الأسلحة النووية في منطقة مدججة بالسلاح، بقدر ما هي مدججة بالايديولوجيا والصراعات الطائفية والدينية، معضلة خلقتها إيران وستواجهها الإدارات الامريكية المقبلة لعقود.

د. سمير التقي

خبير سياسات الشرق الأوسط | مستشار في الدراسات الجيوستراتيجية | طبيب جراحة القلب
زر الذهاب إلى الأعلى