مقال الرأي

التهديد الروسي بإعادة اوربا لما قبل 1991، الامتحان الأقسى لبايدن

بقلم الدكتور سمير التقي

الاستماع للمقال صوتياً

دعى نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف الى بدء محادثات روسية غربية على الفور حول الوضع في اوربا، وذلك بعد نشر روسيا مذكرتين حول شروطها لوقف التصعيد في أوكرانيا، تطالب فيها موسكو بإزالة كامل البنية التحتية العسكرية لحلف شمال الأطلسي في بلدان أوروبا الشرقية بعد عام 1997، كما تطالب بعدم قيام الحلف بأي نشاط عسكري خارج اراضيه في اوربا الشرقية، واسيا الوسطى، وأوكرانيا، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان.

تريد موسكو ان يكون لها “حق النقض الفعال” تجاه السياسات الخارجية والأمنية للدول التي تعتبر انها يجب ان تدور في فلكها، و أن تحجم الولايات المتحدة عن تطوير تعاون عسكري ثنائي معها”. الامر الذي يستبعد حتى تأسيس قواعد أمريكية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية مثلا في آسيا. بل تطالب روسيا ان تحجم الولايات المتحدة عن نشر اسلحة او قوات خارج اراضيها “حيثما يعتقد الطرف الاخر (أي روسيا) أن هذا الانتشار تهديد لأمنه القومي”.

استبعدت الولايات المتحدة والناتو، مراراً ومنذ فترة طويلة، مطالب روسيا.واعتبرتها لا تصلح حتى لبدء التفاوض. واعتبر مسؤول رفيع في الإدارة أن بعض هذه المطالب “غير مقبولة” وأن موسكو “تعرف ذلك”.

فما الذي تريده روسيا من تقديم مطالب تعرف ان الولايات المتحدة لن توافق عليها؟ وماذا ترمي روسيا من نقل النقاش الاستراتيجي إلى الاعلام؟ كل ذلك يوحي ان بوتين يريد ان يبني ذرائعه الداخلية تحضيرا لاحتمال دخوله نزاعاًمسلحاً في أوكرانيا.

تؤكد مصادر امريكية ان روسيا تستعد للحرب، لكنها ترجح ان بوتين لم يتخذ بعد قراره النهائي بالهجوم. والغرض الرئيسي من وراء هذا الحشد والتعبئة العملياتية والإعلامية ومن طرح هذه الشروط علنا، هو السعي لتهيئة الرأي العام الداخلي الروسي وخلق ذريعة للقيام بعمل عسكري محتمل.

ومما يزيد احتمالات التورط الروسي في مغامرة في أوكرانيا، حقيقة ان القوات الروسية لا تتحرك هذه المرة، كما جرت العادة، بشكل علني في مناورات عسكرية، بل يتم إخفاء الكثير من أوجه هذه العمليات العسكرية والاستخبارية والهجينة، الامر الذي يطرح جديا احتمال حصول المغامرة.

تؤكد إدارة بايدن ان الولايات المتحدة لن تساوم على المبادئ الرئيسية التييبنى عليها الامن الأوروبي، بما في ذلك حق جميع الدول في ” تقرير مستقبلها وسياستها الخارجية الخاصة، بعيدا عن التدخل الخارجي”. ولكنها تقول ايضاً ” هناك أمورا أخرى نحن مستعدون للعمل معها وتستحق بعض النقاش”. وتقول: “ان روسيا طرحت الان مخاوفها ازاء الانشطة الامريكية وأنشطة الناتو. وسنطرح اهتمامنا بالأنشطة الروسية التي نعتقد انها تضر بمصالحنا وقيمنا”.

وفي حين تميل إدارة بايدن الى مقاربة هادئة ومبنية على حسن النية للنزاع مع روسيا، فانها تعمل على نقل الحوار الى الساحة الدبلوماسية المغلقة. ويضيف مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن “نأمل أن يغتنم الرئيس بوتين هذه الفرصة للدبلوماسية وأن يستمع أيضا إلى احتياجات شعبه”.

بالمقابل تقوم الإدارة والبنتاغون بتعجيل تسليح الجيش الاوكراني بالمروحيات ومنظومات صواريخ جافلين، كما تسرع المساعدات العسكرية لأوكرانيا والتي بلغت 450 مليون دولار. ومع ذلك تطرح الكثير من التساؤلات حول مدى كفاية استجابة الادارة لحاجات أوكرانيا في الحجم والتوقيت.

بالمقابل، لا يمكن مقارنة القوة الروسية الحالية بقوة الاتحاد السوفيتي لا اقتصاديا ولا بالمقارنة مع قوة الغرب، ولا تزال روسيا تنظر لدول الاتحاد السوفياتي السابق، ومنها أوكرانيا، ككيانات منقوصة السيادة، يفترض ان تدور في فلكها. لا شك ان بوتين يراهن على عدم تماسك الموقف الغربي،وخاصة على دق الاسافين في قلب أوربا. وهو يعتبر ان سياسته الاوربية هذه تجني ثمارا جدية لروسيا.

بعد الانسحاب من أفغانستان، يتساءل المحللون عن طبيعة الضمانات التي يمكن ان تقدمها الإدارة لأمن روسيا تحت تهديد السلاح وفي إطار حوار استراتيجي سينطلق قريبا معها. لعله الامتحان الاستراتيجي الأصعب لإدارة بايدن ليس فقط لاختبار مصداقيتها وعزيمتها للدفاع عن التحالف الغربي، بل وقدرتها على انتاج موقف تفاوضي متزن يلجم الحرب من جهة دون ان يسمح لزعيم جامح في الكرملين يريد ان يربح بالتهديد العسكري ما لم يستطع الاتحاد السوفياتي تحقيقه في خليج الخنازير ولا في أزمة برلين.

د. سمير التقي

خبير سياسات الشرق الأوسط | مستشار في الدراسات الجيوستراتيجية | طبيب جراحة القلب
زر الذهاب إلى الأعلى