السودان: البلد الذي اختطفه الإسلاميون وتريد إيران دفنه
الاستماع للمقال صوتياً
|
توثق هذه القصة شهادات حية حول التغلغل الإيراني في السودان نقلها “الحاج” و “اللواء” و “الدبلوماسي” وغيرهم من المصادر التي تحفظنا على ذكر أسمائهم لحمايتهم وحفاظاً على سلامتهم، والذين أجمعوا على أن هذا التغلغل في بلادهم يشكل خطراً يهدد السلامة الإقليمية في الشرق الأوسط وإفريقيا بشكل لا يمكن تجاهله.
الكاتب حازم سالم الضمور*
WHIA – Strategiecs
في خضم الحرب الدائرة في الخرطوم، عاصمة السودان، يمكنك رؤية الخوف في عيون الناس والإحساس بالرهبة في كلماتهم المختارة بعناية عند التعامل مع الغرباء. فكرت في هذا الأمر بينما كنت أنتظر في بهو الفندق القريب من نهر النيل الأزرق وصول السيارة التي ستأخذني إلى اجتماع في منزل الشخص الوحيد الذي يمكنني الوثوق به لتزويدي بتفاصيل مؤكدة عن التورط الأمني والعسكري لإيران في السودان. سأشير إليه باسم “الحاج”.
وأنا أنتظر، راجعت ملاحظاتي. كل شيء في السودان يجذب الانتباه: مستوى المعيشة المتدني، ومعدلات الفقر المروعة، وتوقف الأعمال التجارية، وارتفاع معدلات البطالة، والافتقار المخيف للأمن العام. تعسكر البلاد بشكل واضح في كل مكان، حتى في أحياء المدينة الأكثر ثراءً. يمكنني رؤية ذلك من نافذة فندقي، المحاط بعظمة مسجد الملك فاروق، والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والمتحف الوطني السوداني. جعلني هذا أتساءل عن سؤال مهم: كيف تم اختطاف هذا البلد من حالته السابقة من التعايش السلمي بين جيرانه؟
على مدار العشرة أعوام الماضية، بصفتي باحثًا في الشرق الأوسط، تابعت عن كثب توغلات إيران في أفريقيا وجهودها الناجحة لإقامة روابط مع المؤسسات العسكرية في البلدان المستهدفة. لاحظت كيف توسع نطاق نفوذ إيران في المنطقة وعبر العالم من خلال إنشاء شبكات من “الجهات الفاعلة غير الحكومية” والميليشيات المسلحة التي تزرع الفوضى وتضمن فشل المشاريع الوطنية الحيوية تحت راية “المقاومة والممانعة”.
تُخطط إيران لاستراتيجيتها طويلة الأمد “تصدير الثورة” بعناية على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية. بدأت هذه الاستراتيجية مع الحرب العراقية الإيرانية وتوسعت عبر لبنان والعراق وسوريا واليمن، وصولاً إلى الصراع في غزة وأفريقيا. إن إنشاء البنى التحتية الأمنية والاستخباراتية والعسكرية حيثما يمكن أن تصل أدواتها لبناء وتوسيع جمهورية إسلامية يؤتي ثماره الآن، على الرغم من اعتباره ثماراً مسمومة في نظر الغرب والشرق والعديد من جيرانها.
بعد ساعات من الانتظار، تلقيت أخيرًا اتصالًا يفيد بأن هناك سيارة تنتظرني خارج الفندق. كان يقودها رجل مسلح يرتدي زيًا عسكريًا، ورافقني في السيارة حراس مسلحون. أثناء توجهنا إلى منزل الحاج، شدد مرافقي على أهمية الحفاظ على خصوصيته وأمنه. وبعد أكثر من 40 دقيقة من القيادة عبر نقاط تفتيش عسكرية، وصلنا إلى فيلا تخضع لحراسة مشددة. استقبلني الحاج برحابة الشعب السوداني المعهودة، ومازحني قائلاً “هل تأقلمت مع حرارة الجو وصوت رشقات الرصاص”.
انتقلنا إلى زاوية منعزلة في الفناء الخلفي للفيلا، بعيدًا عن المنزل. صرف الحاج جميع الحراس. وبعد أن أكد مرة أخرى على أهمية عدم ذكر اسمه أو أي تفاصيل قد تكشف عن هويته، بدأنا حديثنا حول قضية السودان وإيران. أو بالأحرى، بدأ الحاج في تشريح العلاقات بين البلدين بينما كنت أستمع.
بدأ الحاج بالقول إن العلاقات السودانية الإيرانية تعززت بفعل الانقلاب العسكري الذي أوصل الجبهة الإسلامية إلى السلطة في السودان عام 1989، وهي فترة شهدها عن قرب. كان البلدان متوافقين أيديولوجيًا، خاصة في عدائهما المشترك تجاه الولايات المتحدة. دعمت إيران الانقلاب العسكري وعمر البشير كرئيس جديد للسودان، وقدمت مساعدات عسكرية وإنسانية طوال تسعينيات القرن الماضي. في المقابل، دعم السودان طموحات إيران في برنامجها النووي، وصوت ضد قرارات الأمم المتحدة التي تدين إيران، لا سيما في المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان.
فيما يتعلق بالعلاقة الأمنية والاستخباراتية بين إيران والسودان، أوضح الحاج أنها بدأت في أوائل التسعينيات تحت قيادة اللواء الدكتور مهدي إبراهيم، مؤسس النظام الأمني السوداني إلى جانب الدكتور نافع علي نافع. في ذلك الوقت، كان الجهاز الأمني في السودان مقسمًا إلى وكالة للأمن الداخلي تُعرف بجهاز الأمن الوطني، ووكالة للأمن الخارجي تشرف عليها المخابرات السودانية. ومع ذلك، في عام 2004، أصدر البشير مرسومًا يقضي بدمج جميع الأجهزة الأمنية تحت هيئة موحدة تُدعى جهاز المخابرات العامة.
يُعزى إلى مهدي إبراهيم دوره كمهندس للعلاقات الأمنية بين السودان وإيران. لعبت إيران دورًا رئيسيًا في تشكيل النظام الأمني والاستخباراتي السوداني، حيث تم تصميمه على غرار هيكلها الخاص من حيث التنظيم الإداري، التدريب، والعمليات. في المراحل الأولى، تم إرسال جميع الضباط والجنود السودانيين إلى إيران للتدريب. وبالمثل، أرسلت إيران ضباطها إلى السودان للعمل كخبراء ومستشارين داخل جهاز الاستخبارات السوداني الناشئ.
خلال هذه الفترة، زودت إيران الجيش السوداني بالأسلحة وهرّبت الأسلحة إلى الفصائل المرتبطة بها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا. كما أصبح السودان ساحة تدريب للمتطرفين من مختلف أنحاء العالم تحت تأثير إيران. وفي النهاية، أنشأت إيران مصانع لتصنيع الأسلحة على الأراضي السودانية.
لتعزيز نفوذها على المجتمع السوداني والحياة الدينية، أنشأت إيران حسينيات (مساجد شيعية) في السودان، والتي كانت بمثابة بوابة لنشر الإسلام الشيعي محليًا وعبر إفريقيا. تم ذلك جميعه تحت مظلة المركز الثقافي الإيراني، الذي أنشأ 45 فرعًا له ومدارس، مثل مدارس الفرقان التي لا تزال تعمل حتى يومنا هذا.
لا توجد إحصائيات دقيقة حول النسبة والعدد الفعلي للمسلمين الشيعة في المجتمع السوداني، لكن دراسات مختلفة تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 1% من السكان، على الرغم من أن هذا الرقم قد يتغير. وفقًا لدراسة لمركز بيو للأبحاث عام 2009، تتجاوز نسبة السكان الشيعة في السودان 1%، بينما تشير تحديثات لقاعدة بيانات الديانات العالمية لعام 2020 إلى أن الشيعة يمثلون حوالي 0.07% من السكان. ووفقاً لتقرير الحريات الدينية لعام 2022 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، فإن هذه الجالية الشيعية الصغيرة تقيم بشكل أساسي في العاصمة الخرطوم.
ومع ذلك، انتهت العلاقات الرسمية بين البلدين في 4 يناير 2016، عندما أكد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور لشبكة الجزيرة أن السودان قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب تدخلاتها الطائفية في المنطقة وهجماتها على السفارة والقنصلية السعودية في طهران.
يرى الحاج أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران في عام 2016 لم يضعف من شوكة النفوذ الإيراني في السودان على المستويات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. وهذا الرأي يتوافق مع تصريحات مصدر عسكري سوداني رفيع المستوى، سأطلق عليه “اللواء”. فقد أكد لي اللواء أن العلاقات السرية بين البلدين استمرت على مستوى الأجهزة الأمنية، مستخدمين واجهة مدنية هي “الاتحاد الأفريقي العربي للوسائط الرقمية” لتغطية هذه العلاقات.
كان الاتحاد، الذي ترأس مجلس إدارته زوجة اللواء محمد عطاء المولى مدير جهاز الأمن والمخابرات، وتضم الإدارة التنفيذية للاتحاد ضباطًا في المخابرات ومديرته التنفيذية هي مقدم أمن غادة عبد المنعم؛ يتبع مباشرة لمدير المخابرات وعمل لمدة ثلاث سنوات (2016-2019) كقناة أمنية وعسكرية تسهل عمليات إيران في السودان.
تم إدخال جميع الخبراء العسكريين والأمنيين الإيرانيين والمستشارين تحت ستار كونهم موظفين إعلاميين مرتبطين بالاتحاد. واستمر هذا الترتيب حتى سقوط حكومة البشير في أبريل 2019، حيث تم حل الاتحاد وقطع العلاقات، لتُستأنف مرة أخرى في عام 2020 تحت إشراف المخابرات العسكرية السودانية.
قدم المجتمع الأمني السوداني في عام 2016 مبرراً للحاجة إلى الحفاظ على العلاقات العسكرية والأمنية مع طهران، مفادها أن إيران كانت جزءًا رئيسيًا من محور المقاومة، وأنهم لا يستطيعون التخلي عن هذا التحالف، حتى لو انتهت العلاقات السياسية بين طهران والخرطوم. لهذا السبب، عملت المؤسسات الأمنية والعسكرية على استمرار هذه العلاقات من أجل المنافع الاقتصادية والعسكرية المتبادلة، وبدأ ذلك من خلال تمكين أعضاء الحرس الثوري الإيراني المشاركين في التصنيع العسكري في السودان من تدريب وتزويد حزب الله وحماس بالموارد اللازمة في مقابل الدعم الاقتصادي والعسكري والاستخباراتي للسودان.
بعد الثورة في السودان في ديسمبر 2018 والإطاحة بالرئيس عمر البشير في يناير 2019 تسلمت الاستخبارات العسكرية والأمن العسكري ملف الاتصال مع الإيرانيين. وهنا؛ أجد اتساقًا بين رواية الحاج والأحداث ورواية اللواء.
في سياق متصل، يمكن ملاحظة أن الإشراف المباشر على العلاقة من الجانب الإيراني كان موكلاً لقاسم سليماني حتى اغتياله في يناير 2020. بعد ذلك، تولى العميد إسماعيل قااني الإشراف. أجريت جميع الاتصالات بين الجانبين من خلال السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، الذي أصيب في انفجار أجهزة الاتصال في لبنان في 17 سبتمبر، وفقًا لوكالة فارس الإيرانية. قال الحاج إنه من المحتمل، نظرًا للضغوط التي يعاني منها لبنان نتيجة تفوق المخابرات الإسرائيلية على البنية التحتية للاتصالات في البلاد، أن نقطة الاتصال بين الجانبين قد تم تغييرها أو إعادة ضبطها إلى موقع آخر.
رغم حقيقة أن العلاقة شهدت فترات من الصعود والأفول، فإن الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى جانب حرب غزة، منحت طهران فرصة لجعل السودان منصة جديدة للهجمات على المصالح الأمريكية والإسرائيلية والعربية.
أكد الحاج أن الدعم الإيراني العسكري والاستخباراتي كان عاملاً حاسمًا في حسم المعركة لصالح الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع. ويرى أن إحدى المعارك الفاصلة كانت نقطة تحول حقيقية، حيث مكّن الدعم الإيراني الجيش من تحقيق اختراقات كبيرة في سياق المعارك، وكان ذلك واضحًا بشكل خاص بعد هجوم الجيش على أم درمان وسيطرته على مبنى الإذاعة والتلفزيون في 14 مارس 2024، مما أنهى سيطرة قوات الدعم السريع عليه، والتي كانت قائمة منذ منتصف أبريل 2023.
مع التحولات الديناميكية في السودان وتغير موازين القوى، أعاد الصراع المسلح، الذي تصاعد إلى حرب أهلية، تشكيل التحالفات داخل البلاد. حيث أدى النزاع إلى عودة الإسلاميين إلى مناصب رفيعة المستوى، مع نمو نفوذهم بشكل كبير مع استمرار الحرب، إذ كانوا يقاتلون إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، ولا سيما كتائب الإخوان المرتبطة بالحركة الإسلامية السودانية، المعروفة محليًا باسم كيزان.
يتهم السياسيون المدنيون، بمن فيهم أولئك من قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف مدني ومتمرد يعارض الحكم العسكري، الإسلاميين بالسيطرة على جهاز صنع القرار داخل الجيش بعد الحرب، وقد ساهم هذا إلى حد كبير في فشل كل الجهود الدولية والإقليمية لإطلاق الحوار واقتراح حلول للحرب الأهلية، سواء من خلال محادثات جدة أو مبادرة “إيغاد” أو مؤتمر مصر.
قال الحاج، الذي قضى 40 عامًا في السياسة والخدمة العسكرية والمشاركة في الأمن الخارجي، إن مسار الحرب أصبح غير قابل للتنبؤ. فالإسلاميون متحالفون مع إيران كدولة وأيديولوجيا، ويسعون إلى تعزيز قوة طهران وحماية مصالحها وتوسيع نفوذها. وأيضاً لديهم علاقات قوية مع منظمات إسلامية أخرى في المنطقة، مثل حماس والقاعدة وحزب الله وحركة الحوثيين، وقد تعمقت هذه العلاقات وتداخلت بشكل أكبر بعد الحرب في غزة واغتيال القائد السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران في 31 يوليو، بالإضافة إلى سلسلة من الضربات العسكرية الإسرائيلية على لبنان، والتي أسفرت خلال شهر واحد عن مقتل 18 قائدًا من حزب الله، بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر.
كل ما سبق يعيدني إلى كتاب صدر عام 2012 للضابط الاستخباراتي الأمريكي ستيفن أوهيرن، بعنوان “الحرس الثوري الإيراني: التهديد الذي ينمو بينما تنام أمريكا”. في الكتاب، يؤكد أوهيرن أن إيران جلبت أسامة بن لادن إلى السودان بعد أن أبرم الحرس الثوري الإيراني صفقة مع حسن الترابي (1932-2016)، زعيم الجبهة الإسلامية الوطنية السودانية، حيث كانت طهران ستقدم ملايين الدولارات لمراكز التدريب ونقل الأسلحة التي ستحول السودان إلى منصة انطلاق إيرانية لبقية القارة الإفريقية.
اليوم، تتكرر الاستراتيجية الفارسية للصراع – تصدير التطرف والإرهاب، وتعزيز وجود الدول المارقة – ولكن بأساليب وأدوات جديدة.
وفي هذا السياق يؤكد مصدر يدعي أنه التقى مجموعة من ضباط المخابرات الأمريكية في نهاية التسعينيات وقبل أحداث 9/11 وأخبرهم أن السودان ستكون بؤرة مركزية للسلفية الجهادية. خلال فترة نظام البشير، اعتقدت جماعة الإخوان المسلمين أنهم قد تأمّنوا على بلد يحكم من خلال التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وكانوا يخططون للانطلاق منه للسيطرة على دول أخرى. لذلك، اعتبرت إيران السودان في وقت مبكر حليفًا استراتيجيًا من شأنه أن يساعدها على تحقيق طموحاتها وتصدير ثورتها حتى مكة، وإعادة توجيه المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى إيران، التي ادعت أنها ستقود العالم الإسلامي كمنقذ من الوجه الاستعماري للولايات المتحدة وإنهاء دولة إسرائيل.
ومع اقتراب منتصف الليل، بدأ التعب يظهر على وجه الحاج. اقترحت بأدب أنه يمكنه أن يستريح وسنواصل غدًا. لكنه ابتسم فقط ورد قائلاً: “هل يمكنك أن تضمن أننا سنكون قادرين على إجراء هذه الجلسة غدًا؟ دعنا نواصل. ربما سيقرأ شخص ما أو يسمع.”
وهكذا، يعتقد الحاج أنه ليس فقط أن الفاعلين الرئيسيين قد عادوا مؤخرًا، ولكن الظروف تشبه بشكل ملحوظ تلك التي كانت في السودان في التسعينيات. لقد أحاطت العزلة الدولية والإقليمية بالخرطوم، وأصبح نقص الثقة بين الجيش السوداني والجهات المختلفة في مفاوضات السلام واضحًا. زادت حاجة الجيش إلى حلفاء جدد ذوي خبرة في العمل ضمن بيئات النزاع المعقدة، مثل الإيرانيين، خاصة بعد الخسائر التي تكبدها خلال المراحل الأولى من الحرب. ونظرًا لاعتباره معركته ضد قوات الدعم السريع وجودية، تعزز كل هذه العوامل من تأثير كل من الإسلاميين والإيرانيين.
هكذا، خلص الحاج إلى أن الظروف والفاعلون في مكانهم لإعادة إنشاء مشهد التسعينيات، لكن هذه المرة يكون مصحوبًا ببيئة أفريقية وشرق أوسطية شديدة التقلب والاضطراب. ولفهم آثار التمكين الإيراني في السودان، قال الحاج إنه يجب أولاً دراسة المشهد الحالي الأوسع لأفريقيا. على سبيل المثال، تشهد القارة تحولات سريعة، مع تحديات متزايدة لقدرات الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب المتزايد هناك. وقد تفاقمت هذه التحديات بسبب أربع انقلابات بعد عام 2020 في الدول الأفريقية: غينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر. بعد انسحاب القوات الأمريكية في يوليو 2024 من قاعدتها الجوية في النيجر المخصصة لمكافحة الإرهاب، أصبح وسط أفريقيا مستنقعًا تصارع فيه الحكومات المحلية ضد التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، بالإضافة إلى المتعاطفين الذين يسعون إلى إثارة الفوضى.
قد لا توفر ملاحظة النشاط الإيراني في مراحله الأولى قراءة دقيقة لموقفنا الحالي. في هذا الصدد، صرح اللواء: “إيران تعمل في أفريقيا منذ سنوات طويلة، ومؤخراً وصلت المسيرات الإيرانية إلى أثيوبيا أثناء حرب الحكومة مع جبهة التيغراي بين عامي 2020-2022، والآن تعمل مع الجيش السوداني ولا استبعد أنها مهددة بالوقوع في الأيدي الخطأ “. ويؤكد أن طهران تواصل دعم حركة الشباب الصومالية الإرهابية والمشاركة بنشاط مع الحركة الإسلامية في نيجيريا، التي تعمل كوكيل إيراني شبيه بحزب الله وقوات الحشد الشعبي والحوثيين.
يأتي ذلك في الوقت الذي تزداد فيه حاجة طهران إلى استعادة مركزيتها ودورها المحوري في دعم الجماعات الإسلامية المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في ضوء الصراع المستمر في غزة. سلط فشل هجومها الصاروخي على إسرائيل في 13 أبريل الأخير الضوء على عجز إيران عن مهاجمة أي من البلدين داخل أراضيها، مما عزز حاجة طهران إلى تعزيز قدرتها على العمليات والهجمات السرية مع الحفاظ على قدرة الإنكار.
وبينما تعج القارة الأفريقية بالمقاتلين الجهاديين، تمتلك إيران الخبرة والمعرفة وتاريخ تنظيمهم ودعمهم من خلال وسائل مختلفة. من شأن تعزيز نفوذها في السودان وسط حالة من عدم اليقين والغموض المتزايد أن يسمح لإيران بإعادة تطوير بنيتها التحتية، مما يمكنها من توجيه وتنظيم هذه المنظمات والجماعات. من المحتمل بشكل خاص أن يحدث ذلك إذا استسلم الجيش السوداني للضغوط الخارجية وتحول من مؤسسة وطنية إلى هيئة تضم مجموعات عسكرية مختلفة شبيهة بقوات الحشد الشعبي في العراق، ليصبح فعليًا وكيلًا لطهران. في مثل هذا السيناريو، يمكن أن تعود السودان دولة مارقة تهدد الاستقرار الإقليمي، وتمثل تهديداً عسكريا وامنياً لكل دول الجوار، ويشير الحاج تحديداً إلى مصر والسعودية كأهداف إيرانية على المدى المتوسط.
البحر الأحمر: عقدة الممر الآمن بين إيران ومصالحها في السودان
كثيراً ما تأملت في استراتيجية إيران في الاقتراب من الدول وتقديم المساعدة لها، خاصة في أوقات النزاعات المسلحة. تتضمن هذه الاستراتيجية تقديم الدعم الذي يمنح الطرف المتضرر شعوراً بالأهمية وقدرته على تغيير ميزان الردع والقوة، مما يسمح لإيران بفرض شروطها لمطالب أخرى. هذا هو بالضبط ما حدث في السودان.
قال لي الحاج إن شهية إيران المفتوحة للتوسع والنمو في السودان لا تحكمها فقط الظروف الحالية وحقائق الحرب، بل تدرك أيضًا موقع السودان الجيوسياسي المهم في بيئة البحر الأحمر. في عام 2012، عرضت إيران مساعدة السودان على إنشاء دفاعات جوية على طول ساحل البحر الأحمر بعد غارة جوية اتُهمت إسرائيل بتنفيذها.
هنا يأتي دور الحوثيين في تطوير البنية التحتية من خلال المفهوم الإيراني. لاحظ الحاج أن العلاقة الفعلية بين السودان وحركة الحوثي بدأت بعد خمس سنوات مما يسمى بعملية عاصفة الحزم، التي بدأت في 25 مارس 2015. كان الموضوع الرئيسي للمناقشة بين الطرفين الأسرى السودانيين في اليمن.
كانت المخابرات السودانية تدير الاتصالات مع العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، ومحمد عبد السلام، كبير المفاوضين، وكذلك أبو ميثم، مدير الأمن الخارجي لحركة الحوثي الذي كان مقره في بيروت في الأصل. من غير الواضح حاليًا ما إذا كان لا يزال هناك بعد تغيير نقاط الاتصال والضربات الإسرائيلية التي تستهدف القادة المعروفين كجزء من محور المقاومة، أو إذا كان قد انتقل إلى مكان آخر.
وبالرجوع إلى اللواء الذي يعتقد أنه في عام 2020، تولت المخابرات السودانية ملف الاتصالات مع إيران، على وجه التحديد مع الحرس الثوري. خلال تلك الفترة، تم التوصل إلى مجموعة من التفاهمات تنص على أن الحوثيين لن يستهدفوا السودان عسكريًا. في المقابل، وافقت المخابرات العسكرية السودانية وجهاز المخابرات العامة، بموافقة اللواء برهان، على السماح بتهريب الأسلحة إلى حركة الحوثي عبر البحر الأحمر تحت إشراف المخابرات السودانية.، وتسهيل حركة الحوثيين عبر مطار الخرطوم للسفر خارج السودان بعد وصولهم من اليمن عبر البحر الأحمر؛ وهذا يشمل تسهيل وصول ونقل 17 من قادة الحوثيين من مطار الخرطوم بثلاث رحلات منفصلة إلى بيروت، فضلاً عن علاج الحوثيين الجرحى في السودان.
في أواخر عام 2021، تطورت العلاقة بين الطرفين، مع التركيز على تهريب محركات الطائرات بدون طيار لحركة الحوثي بشكل فعال عبر ميناء فلامنجو السوداني على البحر الأحمر. وشملت شحنات التهريب قطع غيار دقيقة وتكنولوجيا توجيه للصواريخ البالستية التي تصل عبر قوارب الصيد الراسية في ميناء بورتسودان. بالإضافة إلى ذلك، زاد عدد الحوثيين المهربين من السودان إلى بيروت بشكل مطرد إلى ما لا يقل عن خمسة أشخاص في الأسبوع.
يعتقد الحاج أن تسهيلات السودان للحوثيين والإيرانيين ساهمت في تطوير العلاقات المؤدية إلى الاتفاقات لتزويد السودان بالطائرات بدون طيار وتدريب بعض ضباط القوات المسلحة السودانية. وبلغ ذلك ذروته في أوائل عام 2024 باستعادة العلاقات الكاملة بين البلدين رسميًا، فضلاً عن زيادة الأنشطة الاستخباراتية والعسكرية.
وقد بدأت وتيرة هجمات الحوثيين تأخذ منحى جديد، منذ دخولها المرحلة الخامسة بحسب إعلامهم، من حيث وتيرة استهدافهم للسفن التجارية في البحر الأحمر، وبدأت الحركة بتوثيق هجماتها، ففي 3 أكتوبر 2024 عرض الإعلام الحربي التابع للحوثيين مشاهد تظهر استهداف ناقلة النفط البريطانية كورديليا مون (CORDELIA MOON)، في البحر الأحمر، باستخدام زورق مسير، وهو ما يكشف عن معطى إعلامي جديد يهدف أساسا إلى الترويج لأيديولوجياتهم ولإثبات نجاعة خيارهم العسكري، بالرغم من عدم نجاحه في وقف الحرب في قطاع غزة.
يواصل الحاج سرد الأحداث بطريقة جذابة، محاولًا الربط تاريخيًا بين أهداف كل حدث والأحداث التي تليه. بعد الاستعادة الرسمية للعلاقات بين البلدين، سافر ضابط أمني رفيع المستوى مكلف بالإشراف على مشروع تزويد السودان بالطائرات بدون طيار، اللواء الصادق، الذي عمل ذات مرة مدير مكتب اللواء البرهان، إلى طهران مرتين هذا العام، حيث تم التأكيد على الاتفاق القديم المتعلق بتهريب الأسلحة – تجارة الطائرات بدون طيار ومعدات التوجيه الدقيقة للصواريخ إلى الحوثيين.
علاوة على ذلك، مُنحت إيران قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، مما يضمن تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى حركة حماس. كان هناك أيضًا اتفاق لنشر ضابط ارتباط سوداني في إريتريا لتسهيل عمليات التهريب عبر البحر الأحمر، فضلاً عن تفاهم بأن القوات المسلحة السودانية المتمركزة في المملكة العربية السعودية لن تتعامل مع الحوثيين، مع توفير كل الدعم والتسهيلات اللازمة لاستهداف خطط خليفة حفتر في ليبيا.
للتحقق من معلومات الحاج والسرد الذي يقدمه، كان من الضروري استشارة اللواء، الذي أكد أنه بحلول نهاية يناير 2024، دخلت طائرتان بدون طيار من طراز مهاجر-6 الخدمة وبدأت تعمل من قاعدة وادي، إحدى أكبر القواعد العسكرية في السودان. تشارك هذه الطائرات بدون طيار حاليًا في العمليات العسكرية.
خلال نفس الفترة، وصلت سفينة إيرانية إلى ميناء بورتسودان تحمل أربع طائرات بدون طيار من طراز مهاجر-6، إلى جانب خمس قطع مدفعية عيار 130 مم، وست مدافع هاون عيار 120 مم، ومجموعة كبيرة من الذخائر المختلفة. وأضاف أن قوارب الصيد التي تعبر البحر الأحمر تستخدم على نطاق واسع لتهريب الأسلحة، وغالبًا ما تكون محملة بالأسماك على السطح بينما تخفي بين 600 إلى 800 بندقية هجومية تحت سطح السفينة. علاوة على ذلك، تحمل سفن الصيد الأكبر أيضًا أنواعًا مختلفة من الصواريخ وقطع الغيار للطائرات بدون طيار.
وقال إنه بعد أن أصبحت العلاقة بين البلدين طبيعية ومباشرة، قدمت إيران، من خلال سلطة التصنيع العسكري السودانية، 300 ألف زي عسكري مجهز بالكامل ومعدات المراقبة والتجسس للجيش السوداني.
وفيما يتعلق بتأمين نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى حماس، كان هناك تنسيق بين المخابرات العسكرية والمخابرات السودانية لاستعانة بخبرة قبيلة الرشايدة، التي استقرت في السودان في عام 1846. يتم تهريب الأسلحة والخبراء العسكريين من السودان عبر صحراء سيناء، بالتنسيق مع بعض القبائل داخل مصر، وصولاً إلى الأنفاق المؤدية إلى غزة؛ وبهذا الخصوص يتساءل اللواء الذي يحترم القيادة المصرية ويُقدرها كثيراً، عن قرارها بدعم الجيش السوداني، إذ يقول “تدعم مصر الجيش السوداني في قتاله ضد قوات الدعم السريع، وذلك من منطلق حاجتها إلى تحقيق الاستقرار في السودان ولموقف الجيش السوداني الداعم لمصر في موقفها من سد النهضة، إلى جانب العلاقات التاريخية للطرفين”، ويتوقف برهة للتكفير؛ ثم يضيف “إلا أن القاهرة تواجه اليوم تحدياً رئيسياً يتمثل في الحفاظ على مصالحها مع الجيش السوداني بعد أن دفعت به الحرب للتحالف مع الإيرانيين والإسلاميين الذين أصبحوا يتمتعون بنفوذ كبير داخل الجيش، خاصة وأن القاهرة عانت لعقود من الإسلام الراديكالي ومن مشاريع الإخوان المسلمين ضد النظام السياسي المصري التي تتقاطع بشكل كبير مع المشروع الإيراني سواء تجاه المنطقة ككل، أو مصر بشكل خاص، ودفعت اثماناً باهظة في سيناء بسبب التكفيريين.
ولذلك يتعين على القاهرة تحديد موقفها وتقدير تداعيات استعادة الجيش السوداني السيطرة على جغرافيا البلاد، ما قد يُفضي بوجود قوة إسلامية راديكالية قد تُغذي من جهة مطامع الإخوان المسلمين بالحُكم في مصر، ومحاولات المنظمات الإرهابية استعادة وجودها السابق في سيناء.” أخذ اللواء نفساً عميقاً، ونظر في عيني مباشرةً وقال بحزم: “على مصر حسم هذه المعركة وأخذ السبق من الإيرانيين”
بالنسبة لباحث متخصص يريد أن يتحقق من المصادر، كان من الضروري العثور على شخص داخل وزارة الخارجية السودانية يمكنه مناقشة زيارات وزير الخارجية السوداني إلى طهران، والتي كانت الأولى منها في 5 فبراير 2024. وخلال فترة وجودي في الخرطوم، كنت أرغب في لقاء دبلوماسي نشط يعمل في الشؤون الخارجية، وعليه ومن خلال البحث والأصدقاء المشتركين، برز اسم واحد بشكل متكرر في الدوائر الدبلوماسية، والذي سأشير إليه بـ “الدبلوماسي”.
وقد ذكر أن الوفد المرافق للوزير تضمن ممثلين من جهاز الأمن والمخابرات العسكرية وكتيبة البراء بن مالك”؛ التي تعرف أيضا باسم لواء “البراء بن مالك” أو كتائب “الظل”. هذه المجموعة المسلحة لها انتماء متطرف أيديولوجي وتحافظ على شبكة من العلاقات مع الجماعات المسلحة السودانية التي تتعاون مع الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
لاحظ الدبلوماسي أيضًا وجود اتفاق ضمني ومباشر بين الحرس الثوري الإيراني وجهاز المخابرات العامة السودانية والمخابرات العسكرية سمح لكلا البلدين بالانسحاب من الاتفاق. تم تكليف مجموعة البراء بن مالك بتنفيذ عمليات عسكرية مسلحة في البحر الأحمر، مع الحفاظ على اتصال بالحرس الثوري مشابه لاتصال حزب الله والحوثيين، وكذلك بعض الفصائل في العراق.
يتماشى هذا مع ما أبلغني به اللواء: “تم تدريب عدد من أعضاء كتيبة البراء بن مالك على تشغيل الطائرات بدون طيار والقوارب البحرية المفخخة في العراق ولبنان”. بالإضافة إلى ذلك، أسفرت زيارة وزير الخارجية إلى طهران عن اتفاق لإقامة خط إنتاج للطائرات بدون طيار والقوارب الانتحارية في بورتسودان تحت الإشراف الإيراني لتزويد الحوثيين وحماس بهذا النوع من الطائرات. في المقابل، مُنحت إيران مليون فدان من الأراضي الزراعية من الأراضي السودانية.
بمجرد ظهور اسم كتيبة البراء بن مالك إلى جانب مجموعة من الجماعات المسلحة المتطرفة، ظهر العديد من الأسئلة في ذهني التي تساهم في فهم الفوضى الأمنية التي يشهدها الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي ستستمر في الانكشاف. كان من الضروري السؤال عن وجود داعش: هل هي موجودة بالفعل على الأرض وتقاتل إلى جانب الجيش السوداني؟ هل تتلقى تمويلاً سخيًا ولديها إمكانية الوصول إلى التقنيات العسكرية الجديدة؟
في هذا الصدد، اتفق العديد من المصادر التي تحدثت معها على أن العلاقة بين الحركة الإسلامية السودانية والجماعات الإسلامية المتطرفة وثيقة ومتقدمة. في أوقات مختلفة، قدمت هذه الجماعات التمويل، والتدريب، والحماية والاستخبارات. من خلال مؤسسات، مثل جمعية القرآن ومنظمة الدعوة الإسلامية وجامعة أفريقيا وجامعة أم درمان الإسلامية ومنظمة البر والتواصل ومنظمة مدكر واتحاد الطلاب الأجانب وفرت بنية تحتية جاهزة للانخراط في أفكار تنظيم داعش الإرهابي واستيعابها، والذي لعب دورًا علنيًا في العمليات العسكرية منذ بداية الحرب. يتضح ذلك من اعتراف السياسي محمد علي الجزولي، الذي يشغل أيضًا منصب الأمين العام لمجموعة إسلامية سودانية، عندما اعتقلته قوات الدعم السريع في مايو 2023.
في تحليل مشهد التطرف في السودان وتتبع تحركات المتطرفين المطلوبين، يبدو أن عددًا كبيرًا من أعضاء تنظيم داعش الإرهابي من سوريا والعراق وأفغانستان – يقدر بنحو 6000 – تمت دعوتهم للقتال إلى جانب الجيش السوداني تحت ستار الدراسة في الجامعات السودانية.
علاوة على ذلك، ذكر لي باحث متخصص في مكافحة التطرف العنيف في السودان أن رجلاً يدعى صدام، الذي يستخدم الاسم الحركي “أبو عبد الله”، يعيش في السودان. على الرغم من تورطه في مقتل المواطن الأمريكي جون جرانفيل وعبد الرحمن عباس رحمة في 1 يناير 2008، لم يتم القبض على صدام، وتم تهريبه إلى العراق ثم سوريا وليبيا، وهو الآن يقاتل إلى جانب الجيش السوداني في أم درمان، ثاني أكبر مدينة في البلاد.
عندما قدمت المعلومات التي لدي إلى الحاج، طلبًا للتأكيد أو النفي، فوجئت عندما قال لي: ” إذا كنت تريد أن تصبح ثرياً ما عليك إلا أن تدل الأمريكان على السودان”. وبأسلوب ساخر، أضاف: “هل يعرفون عنا حتى؟” ثم أوضح أن معظم الأفراد المطلوبين في إطار برنامج مكافآت وزارة الخارجية الأمريكية للعدالة موجودون هنا في السودان – بما في ذلك الدسوقي، الملقب بـ ” الخميني “؛ والشيخ جبريل، والامام بلال، وهاشم عربي وهو عقيد سابق في المخابرات السورية؛ وهشام التجانى، رئيس الطلاب في مؤسسة الطلاب الوافدين إلى السودان، وجميعهم كانوا أعضاء نشطاء في تنظيم داعش الإرهابي.
خلال وجودي في الخرطوم، التقيت بأحد الدبلوماسيين النشطين في الشؤون الخارجية. كما هو الحال غالبًا، يريد الجميع في هذا البلد إيجاد طريقة للخروج من الأزمة ونقل الرسائل إلى العالم، لكنهم يخشون الاغتيال. حاول الدبلوماسي شرح السبب. قال: “في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب في السودان، كانت هناك محاولات من قبل رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان، لتحسين العلاقات مع الدول المعتدلة في المنطقة وتطهير البلاد من إرث البشير والجبهة الإسلامية. وفي أكتوبر 2020، وافقت الخرطوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبعد شهرين أزالت الولايات المتحدة السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب. لكن ذلك لم يدوم فالسودان بلد تتجمع فيه كل التناقضات، ولا يمكن التخطيط للمستقبل بسبب البيانات والمعطيات المتشابكة والتعقيدات وتعدد الجهات الفاعلة الذين يأتون من خلفيات مختلفة ومتضاربة غالبًا”.
حاولت التواصل مع أي شخص من قوات الدعم السريع للحصول على روايتهم ووجهة نظرهم حول ما يحدث في السودان، لكنني لم أنجح. في الواقع، تم تحذيري بشدة من الاتصال بهم بسبب تعقيدات الوضع. حذروني من أن طرح الأسئلة وربما سوء تفسير فهمهم لموقفي يمكن أن يؤدي إلى “تحديات” سيكون من الصعب التعامل معها.
كيفية تحليل تداعيات السيطرة الإيرانية على السودان
لطموح إيران الواضح في السيطرة على السودان عواقب خطيرة وطويلة الأمد على الأمن والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وشركائها من الدول العربية، خاصة مصر والسعودية. السيطرة الإيرانية على السودان سيحوله إلى دولة نشطة ومؤثرة فيما يتعلق بمصير ممر التجارة الحيوي للسعودية، ومصر والأردن وإسرائيل.
تتجلى الآثار السلبية لوجود إيران في الأنشطة العسكرية الأخيرة للحوثيين، الذين لديهم الآن طريقًا لتهريب الأسلحة ونقل القيادة والتكنولوجيا المتقدمة ومعدات التجسس، مما يشكل مركزًا إرهابيًا جديدًا سيكون من الصعب تفكيكه. علاوة على ذلك، يزداد العمق الجغرافي للإيرانيين والحوثيين. بالنظر إلى أن السودان هو بوابة أفريقيا، فإن النفوذ الإيراني سيستمر في التوسع هناك.
لا يمكن التقليل من فكرة أن الاتفاقات الإيرانية السودانية سمحت لطهران بالسيطرة الكاملة على البحر الأحمر، حيث يهدد ذلك الملاحة البحرية في البحر الأحمر والبحر العربي على حد سواء. وبالتالي، تتعرض مصالح السعودية لمستويات متعددة من المخاطر العسكرية والأمنية والاقتصادية. ويشمل ذلك المشاريع التنموية في إطار رؤية السعودية 2030، حيث يلعب الساحل السعودي على طول البحر الأحمر دورًا محوريًا، وكذلك مشروع نيوم وتطوير مشروع ساحل البحر الأحمر، وكلاهما جزء من خطط السعودية لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على النفط من خلال وضع نفسها كمركز للسياحة والترفيه والاستثمار الأجنبي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تأثير مباشر على الاقتصاد المصري، حيث تدير قناة السويس مع 15% من حركة الشحن الدولية، و 30% من التجارة الحاويات في جميع أنحاء العالم، و 40% من التجارة بين أوروبا وآسيا. انخفضت إيرادات قناة السويس بشكل حاد بسبب هجمات الحوثيين، لتصل إلى حوالي ملياري دولار خلال السنة المالية 2023-2024، مع تحول حركة السفن حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا.
في نفس السياق، ساهم التقارب الإيراني السوداني في ابتعاد السودان عن دعم المصالح السعودية. كما ذكر سابقًا، وقف السودان في تضامن مع السعودية وقطع علاقاته مع إيران بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران في عام 2016. ومع ذلك، أصبح من الواضح أن دعم السودان كان سطحياً وغير صادق. بالإضافة إلى ذلك، شاركت القوات السودانية في الحملة السعودية ضد الحوثيين في اليمن، والتي بدت أيضًا أنها تخدم المصالح الإيرانية.
نحن نواجه تحولًا كبيرًا في توسع النفوذ الإيراني في السودان، والذي يشكل خطرًا جغرافيًا على السعودية. وقد يكون هذا الهدف النهائي لإيران. إن عدم جدية الجيش السوداني في الاستجابة للضغوط السعودية لوقف الحرب يزيد فقط من الاضطراب في البحر الأحمر ويؤثر سلبًا على المشاريع الاقتصادية والتنموية السعودية الوطنية.
علاوة على ذلك، فإن توسع النفوذ الإيراني في السودان يزيد الضغط على جيشه ويضعف موقفه ضد إنشاء قاعدة بحرية إيرانية، خاصة بالنظر إلى شدة الحرب الأهلية، مما يزيد من حاجة الجيش إلى الدعم الإيراني. وسيضع هذا الحرس الثوري الإيراني على بعد 200 ميل (320 كيلومترًا) فقط من الشواطئ السعودية. أيضاً، فإن وجود قاعدة بحرية إيرانية سيعزز قدرات إيران الاستخباراتية والاستطلاعية في أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم. تخيل كم يمكن أن تحقق إيران أكثر من الدور الذي تلعبه في تزويد الحوثيين بالبيانات حول السفن المارة، مما يمكنهم من تنفيذ هجماتهم بنجاح.
الخاتمة
اليوم، بعد العديد من المقابلات مع أشخاص تحفظت على أسمائهم لحمايتهم وسلامتهم، أعتقد أننا على وشك مواجهة محور إرهابي متطرف عنيف يستهدف جميع الدول في العالم التي لا تتماشى مع المشروع الإيراني.
في حالة السودان، يمكن أن تضع حدوده البحرية البحر الأحمر تحت رحمة الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران. سيكون من غير الواقعي أن تغض الولايات المتحدة الطرف عن هذا التهديد، خاصة في الوقت الذي حشدت فيه جزءًا كبيرًا من قوتها العسكرية البحرية لمكافحة التهديدات الحوثية للملاحة الدولية. اكتسب الحوثيون الدعم والمساعدة من إيران، خاصة في استخدامهم ترسانات الصواريخ والطائرات بدون طيار ضد السفن العسكرية والتجارية، وكذلك الأهداف الإسرائيلية. تواصل إيران السعي إلى التأثير على ديناميات البحر الأحمر، من خلال التأثير على مضيق باب المندب وإقامة موطئ قدم على طول سواحله.
علاوة على ذلك، يشكل الوجود الإيراني المتزايد في البحر الأحمر تهديدًا وجوديًا لإمدادات الطاقة والمرافق، وهو ما كان هدفًا سابقًا لإيران عندما مكنت الحوثيين من استهداف المنشآت السعودية في بقيق والخريص في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، هاجم الحوثيون العديد من ناقلات النفط في البحر الأحمر خلال التصعيد المصاحب للحرب في غزة. في فبراير 2024، تعرضت سفينة الشحن البريطانية روبيمار لإصابة بصاروخ باليستي حوثي قبالة سواحل اليمن، مما هدد بكارثة بيئية بسبب تسرب النفط المحتمل الذي امتد لمسافة 18 ميلاً بحريًا.
ومع ذلك، فإن النشاط الإيراني والحوثي في البحر الأحمر له تداعيات تمتد إلى ما هو أبعد من الأمن التجاري وأمن الطاقة. هناك مخاوف حقيقية بشأن التهديدات للبنية التحتية الرقمية العالمية، حيث يمكن أن تصبح الكابلات تحت الماء أهدافًا لإيران وعملائها. يستضيف قاع البحر الأحمر 16 خطًا من الألياف الضوئية، والتي تمثل مجتمعة 17% من جميع خطوط نقل البيانات الدولية. “التهديد من الحوثيين لقطع الكابلات تحت الماء خطير”، كما قال مصدر عسكري، “وقد تمت مناقشته بين المخابرات السودانية والحرس الثوري الإيراني”.
علاوة على ذلك، تمتد سيطرة الحوثيين إلى مضيق باب المندب، وهو أحد نقاط الاختناق الثلاث للكابلات في جميع أنحاء العالم، حيث يربط أوروبا والهند وشرق آسيا. على عكس الافتراضات الخاطئة بأن الحوثيين يفتقرون إلى القدرات التقنية والعسكرية لإتلاف الكابلات تحت الماء، ، فقد أظهروا تفوقاً ملحوظاً أثناء انخراطهم في الحرب في قطاع غزة، لا سيما بعد استهداف إسرائيل منتصف سبتمبر 2024 بصاروخ “فرط صوتي”، قطع مسافة 1300 ميل (2040 كيلومترًا) في 11 ونصف دقيقة، وفقًا للمتحدث العسكري الحوثي يحيى سريع.
من ناحية أخرى، فإن قطع الكابلات تحت الماء، التي لا يتجاوز سمكها عادةً سمك خرطوم الحديقة، لا يتطلب بالضرورة أي خبرة خاصة أو موظفين مدربين أو حتى غواصين محترفين. تقع بعض الكابلات في المياه الضحلة على عمق 100 متر فقط. لا ننسى أن ثلاثة غواصين اعتقلوا في مصر في عام 2013 لمحاولة قطع كابل تحت الماء بالقرب من ميناء الإسكندرية.
ربما تكون مخاطر الإضرار بالكابلات تحت الماء أكثر تهديدًا من القرصنة البحرية. يحمل البحر الأحمر ما يقدر بنسبة 17% من حركة الإنترنت العالمية على طول أنابيب الألياف الخاصة به، مما يجعلها هدفًا غنيًا للحوثيين. يمكن أن يكون لتلف هذه الكابلات عواقب هائلة على الاقتصاد العالمي، وكذلك خدمات المعلومات المدنية والعسكرية والمالية.
أطلقت أجراس الإنذار في ديسمبر 2023 عندما نشرت قنوات تلغرام المرتبطة بالحوثيين خريطة لشبكات كابلات الاتصالات تحت الماء في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والبحر العربي والخليج مصحوبة بتهديد: ” يبدو أن اليمن في موقع استراتيجي، حيث تمر بالقرب منه خطوط الإنترنت التي تربط قارات بأكملها -وليس فقط دولًا”.
نشرت قناة أخرى مرتبطة بحزب الله اللبناني منشورًا تسأل فيه: “هل تعلم أن خطوط الإنترنت التي تربط الشرق والغرب تمر عبر مضيق باب المندب؟” دفع هذا إلى إطلاق إنذار من خمسة أجراس من قبل شركات الاتصالات فيما يتعلق بالتخريب المحتمل من قبل الحوثيين.
ومع ذلك، فإن المخاطر التي تهدد الكابلات تحت الماء قد لا تنبع بالضرورة من أعمال متعمدة. قد تؤدي الحرب البحرية الشرسة في البحر الأحمر التي يشنها الحوثيون إلى تلف هذه الكابلات عن غير قصد. فعندما تعرضت سفينة الشحن البريطانية روبيمار ، التي أصيبت في مارس من هذا العام بهجوم صاروخي حوثي قبالة سواحل اليمن، لإجلاء طاقمها وإلقاء مرساة في المياه العميقة. أدى ذلك إلى علوق المرساة بثلاثة كابلات تحت الماء وسحبها على طول قاع البحر، مما تسبب في تعطيل الاتصال بالإنترنت لملايين الأشخاص، من شرق أفريقيا القريب إلى آلاف الأميال بعيدًا في فيتنام.
أخيرًا، من المهم تسليط الضوء على التكلفة الإنسانية للحرب. وفقًا لتقرير صادر عن لجنة الإنقاذ الدولية، منذ أبريل 2023، قتلت الحرب المستمرة 150 ألف شخص، وهو رقم أعلى بكثير من عدد الوفيات المعلن رسميًا، والذي يبلغ 15 ألفًا. علاوة على ذلك، فقد 12 مليون شخص منازلهم، مع نزوح 10 ملايين مواطن داخل السودان وفرار 2 مليون آخرين إلى البلدان المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه 18 مليون شخص انعدامًا شديدًا للأمن الغذائي وسط نقص الغذاء، والمياه، والأدوية والوقود.
كل ما سبق لا يثير فقط تساؤلاً حول تدخل إيران في السودان وقدرتها على مساعدة الجيش السوداني في تحقيق النصر واستعادة السيطرة على البلاد. بل يطرح أيضًا السؤال الذي لم يتم طرحه على الإطلاق فيما إذا كانت الولايات المتحدة والبلدان الشرق أوسطية مستعدة لتحمل عواقب التدخل الإيراني في صراع آخر في المنطقة، خاصة في بلد يمتد ساحله لمسافة تقارب 670 كيلومترًا على طول البحر الأحمر.
كان هذا السؤال هو الوحيد الذي لم يحاول الحاج واللواء والدبلوماسي حتى الإجابة عليه، سوى بتقليص أكتافهم تعبيراً عن يأسهم وتعبهم من العالم.
أثناء تحرير ومراجعة هذا المقال، في الأول من أكتوبر، أطلقت إيران 180 صاروخاً باليستياً على إسرائيل رداً على اغتيال قائد المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت. في ذلك الوقت، كان حزب الله يواجه تحديات هيكلية ولوجستية وتنظيمية بسبب الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادته ومواقع تخزين أسلحته.
وربما يختلف الهجوم الإيراني الأخير عن هجومها المُركب في 14 أبريل، من حيث؛ مدى الوصول الذي استغرق نحو 15 دقيقة، ومن جهة الاعتراضات القليلة للصواريخ مُقارنة بالهجوم الأول الذي أسقط خلال قرابة 99% من الأجسام الطائرة، وكذلك بالمواقع المستهدفة التي ترتبط بشكل مُباشر بمجريات الحرب في قطاع غزة ولبنان، وتحقيقه عُنصر المُفاجأة إذ دخلت إيران قبله بحالة صمت مُطبق، ورُصدت مؤشراته أمريكياً وإسرائيلياً قُبيل تنفيذه بساعات.
هذا يعيدنا إلى فكرة أن المساحة التي أُعطيت لإيران من خلال بوابة السودان ساهمت في تطوير برنامجها الصاروخي. ماذا سيقول الحاج، واللواء، والدبلوماسي؟ أعتقد أنهم سيتفقون معي على أن الأول من أكتوبر هو مجرد مثال قاتل على كيفية استفادة طهران من فترة حرية الحركة التي تمتعت بها في السودان في السنوات الأخيرة.
- نشرت هذه المادة بإذن خاص من الجهة الأصيلة للنشر مركز ستراتيجكس للدراسات.