أفغانستان ما بعد الانتخابات الأميركية
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – مقال الرأي
د. عبيد الله برهاني
تلعب الولايات المتحدة دورًا حاسمًا على الساحة الدولية بفضل قوتها العسكرية والاقتصادية الهائلة، بالإضافة إلى شبكتها الواسعة من التحالفات والشراكات المنتشرة عبر جميع القارات من أوروبا وآسيا إلى الشرق الأوسط. وتتمتع بعلاقات وثيقة مع معظم الدول العربية وتركيا، ما يعزز نفوذها في المنطقة، إلى جانب تدخلاتها العسكرية في العراق وأفغانستان. كما تُعد الولايات المتحدة الداعم الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل، وتؤدي دورًا مؤثرًا في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. تؤثر نتائج الانتخابات الأمريكية بشكل مباشر على السياسات الإقليمية، وتبقى أفغانستان، بموقعها الجغرافي المعقد، بوابة تاريخية وجيوسياسية مهمة، حيث تستمر في لعب دور حيوي ضمن التحالفات والشراكات الهادفة إلى مواجهة النفوذ الصيني وتقليصه في المنطقة.
ستحدد نتائج انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024 السياسات الخارجية للبلاد، خاصة في مناطق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفغانستان. التغيرات في السياسة الأمريكية لن تكون معتمدة فقط على القيادة الجديدة، بل ستتأثر أيضاً بالمصالح الاستراتيجية المتغيرة. قد تؤثر هذه التغيرات على الدعم الاقتصادي والعسكري وكذلك على العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة لأفغانستان، مثل باكستان وإيران والهند
أبرز ملامح السياسات الأمريكية في المنطقة في اعتماد استراتيجية تنافسية لمواجهة النفوذ المتزايد للصين، من خلال تعزيز التحالفات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لخلق توازن استراتيجي في بحر الصين الجنوبي. تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى احتواء نفوذ روسيا عبر فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، خاصة بعد غزو أوكرانيا، وذلك بدعم كييف وتعزيز دعم حلف الناتو وعزل روسيا دولياً. في الشرق الأوسط، تلتزم الولايات المتحدة بتعزيز الاستقرار وحماية الحلفاء التقليديين مثل إسرائيل والسعودية، مع فرض مزيد من العقوبات على إيران ومنعها من الحصول على سلاح نووي. على الرغم من إمكانية تغير الاستراتيجيات بناءً على التطورات الجيوسياسية، فإن الهدف الأساسي يظل الحفاظ على النفوذ والمصالح الأمريكية في هذه المناطق.
في ظل السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، تلعب أفغانستان دوراً استراتيجياً يجذب اهتمام قوى مثل روسيا، والصين، وإيران، والمنطقة. يراقب الأفغان والعالم كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع أفغانستان وسط هذه القوى المتنافسة. بعد الانتخابات الأمريكية، هناك سيناريوهات متعددة للتعامل مع أفغانستان، مما يستدعي وضع استراتيجية أمريكية شاملة تتماشى مع المتغيرات الحالية وتدعم مصالحها.
السيناريو الأول هو استمرار الوضع الحالي، وهو في صالح الحكومة الأفغانية الحالية. الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام بالقوة، بل تركز على الحل السلمي وتطبيق اتفاق الدوحة بين واشنطن وحركة طالبان بشكل كامل، مما يتيح للأفغان فرصة لم الشمل. الحكومة الحالية في أفغانستان لا تُعترف بها رسمياً، وتستمر الولايات المتحدة في سياسة الانخراط التدريجي، حيث يُناقش حالياً فتح قنصلية أمريكية في كابول وتقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الأمريكيين، إلا أن تنفيذ ذلك يبدو غير مرجح حالياً، مما يحول دون دمج أفغانستان بشكل كامل في المجتمع الدولي.
تستمر السياسة الأمريكية في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني من خلال وكالات دولية لتلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والرعاية الطبية، مع الإبقاء على العقوبات الاقتصادية على أفغانستان تحت حكم طالبان، وتجميد أصول الحكومة الأفغانية في البنوك الدولية. تهدف هذه العقوبات إلى الضغط على طالبان لإجراء إصلاحات سياسية وحماية حقوق الإنسان. رغم انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، تظل أمريكا ملتزمة بمكافحة الإرهاب في المنطقة باستخدام وسائل عسكرية عن بُعد، مثل الطائرات بدون طيار والعمليات الاستخباراتية، بالتعاون الوثيق مع شركائها من حلفاء الناتو والدول الإقليمية لضمان استقرار أفغانستان ومنع عودة التنظيمات الإرهابية.
السيناريو الثاني: في ظل المشهد الأفغاني المعقد، تظهر عدة أطراف أوروبية وإقليمية، بالإضافة إلى فصائل المعارضة الأفغانية المتناثرة خارج البلاد، التي تسعى للإطاحة بالحكومة الحالية بقيادة طالبان. تتباين أهداف هذه الأطراف، حيث تشعر جميعها بالقلق من احتمال دعم الحكومة لجماعات إرهابية، رغم نقص الأدلة الملموسة على ذلك، باستثناء حادثة مقتل الظواهري في كابول عام 2022. تسعى المعارضة الأفغانية التي تقودها احمد مسعود لاستغلال الوضع لتحقيق مكاسب مالية من خلال بيع الأوهام وابتزاز الأموال. من ناحية أخرى، هناك بعض الأطراف الامريكية تحاول استخدام الورقة المعارضة الأفغانية المتشرزمة والمضطربة في الانتخابات مع شكوك حيال ولائها حيث تغازل واشنطن و تبيض في روسيا وايران، لكن من غير المرجح أن يتم استخدامها حاليًا للحفاظ على التوازن في الظروف الحالية. أما الأطراف الأخرى، فهي إما غير قادرة على تحمل تكاليف الحرب الباهظة، أو ترى في خلق الفوضى وسيلة لجلب الدعم المالي دون تحقيق الأهداف المنشودة.
من المؤكد ان أمريكا ستقوم بصياغة استراتيجية شاملة للمنطقة تشمل أفغانستان، ما قد يتطلب تغييرات كبيرة في السياسة والتعامل مع القضايا الإقليمية، ومن الضروري ضمان تلبية الاحتياجات المحلية والتكيف مع المتطلبات الدولية المتغيرة. قد تشمل هذه التغييرات تعديلات في السياسة الخارجية، تعزيز التعاون الإقليمي، وإعادة تقييم الأولويات الأمنية والاقتصادية.
The geopolitical structure of countries in Asia, their interconnected economies, and historical ties suggest that any major changes in the region could have a domino effect on neighboring states. The Islamic Republic of Iran has solidified its control domestically, managing to survive international sanctions to a degree that leaves those in power largely unaffected. Despite internal challenges, including the failed coup attempt in Turkey, the support for freedom activists in Tehran, and the assassination of key military and political figures, the regime has remained resilient.
Some may argue that destabilizing Iran from within is a viable strategy. Unfortunately, this could involve using Afghanistan as a testing ground, allowing the Taliban to oppress the Afghan population to the point where a mass uprising could lead to a new, democratic government. The hope is that such a change in Afghanistan might inspire neighboring countries to challenge their own authoritarian regimes.
If this approach does not achieve the desired impact, a secondary strategy of regional destabilization by installing puppet or weak governments might be pursued. This pattern has already begun in Turkey, Afghanistan, Pakistan, and Bangladesh. However, recent shifts in Saudi Arabia’s strategy towards Iran have set back certain plans, particularly those of external actors like the CIA.
In light of this, creating a new front against Iran in the short term and China in the long term might be seen as an ideal strategy for Western policymakers. Additionally, destabilizing regions on Russia’s periphery could force Moscow to divert its focus, thus weakening its influence in the broader geopolitical landscape.
يشير هيكل الدول في آسيا، إلى جانب العلاقات التاريخية والقيم الاقتصادية المشتركة، إلى أن أي تغييرات كبيرة في المنطقة قد يكون لها تأثير الدومينو على الدول المجاورة. لقد نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تعزيز سيطرتها داخليًا، وتمكنت من الصمود أمام العقوبات الدولية إلى حد كبير، بحيث لم تؤثر هذه العقوبات بشكل كبير على من هم في السلطة. على الرغم من التحديات الداخلية، مثل محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والدعم المتزايد للنشطاء المؤيدين للحرية داخل طهران، واغتيال شخصيات عسكرية وسياسية بارزة، إلا أن النظام الإيراني ظل قويًا.
قد يرى البعض أن زعزعة استقرار إيران من الداخل هو استراتيجية قابلة للتطبيق. وللأسف، قد يشمل ذلك استخدام أفغانستان كحقل تجارب، حيث يُسمح لطالبان بقمع الشعب الأفغاني إلى درجة تؤدي إلى انتفاضة شعبية كبرى، يمكن أن تُنتج حكومة جديدة ديمقراطية. الأمل هو أن هذا التغيير في أفغانستان قد يلهم الدول المجاورة للتحدي ضد الأنظمة الاستبدادية.
وإذا لم تحقق هذه الخطة التأثير المطلوب، فقد يتم اللجوء إلى استراتيجية ثانوية تقوم على زعزعة استقرار المنطقة من خلال تنصيب حكومات ضعيفة أو دمى سياسية، وهو نمط قد بدأ بالفعل في تركيا وأفغانستان وباكستان وبنغلاديش. ومع ذلك، فإن التغييرات الأخيرة في استراتيجية المملكة العربية السعودية تجاه إيران قد أعاقت بعض الخطط، لا سيما تلك المتعلقة بالجهات الخارجية مثل وكالة المخابرات المركزية (CIA).
في ضوء ذلك، قد يُنظر إلى خلق جبهة جديدة ضد إيران على المدى القصير، وضد الصين على المدى الطويل، كخيار استراتيجي مثالي لصناع القرار الغربيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن زعزعة استقرار المناطق المحيطة بروسيا قد يجبر موسكو على تحويل انتباهها، مما يضعف نفوذها في الساحة الجيوسياسية بشكل أوسع.