آخر التحديثاتأبرز العناوينحدث اليوم

هل تنجح “خطة بايدن” بتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط؟

الاستماع للمقال صوتياً
Strategiecs – WHIA
الكاتب حازم سالم الضمور وعبد الملك عامر

 

تطرح خطة بايدن للاستقرار في الشرق الأوسط هدفاً واضحاً في بدايتها (وقف إطلاق النار)، وصريحاً في نهايتها (الوقف المستدام) للحرب في غزة، لكن مسار الخطة من لحظة نفاذها وحتى اكتمالها يواجه عدداً من التعقيدات، ويحتوي فجوات كفيلة بعرقلتها وتعثرها.

طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب ألقاه في البيت الأبيض في 31 مايو 2024، ما يُشبه “الرؤية المرحلية للاستقرار في الشرق الأوسط”، من خلال خطة تضمن وقف “الأعمال العدائية” في قطاع غزة، وفق خطوات مقسمة على ثلاث مراحل، تعتمد فيها المرحلتين الثانية والثالثة على المفاوضات المستمرة بين إسرائيل وحركة حماس خلال المرحلة الأولى. وقد لاقى المقترح في الساعات الأولى من إعلانه، دعماً دولياً وإقليمياً واسع النطاق، وأبدت أطراف الحرب مؤشرات “إيجابية” تجاهه. إلا أن الخطة كشفت سريعاً عن تعقيدات عدة، قد تؤدي إلى عرقلة تطبيقها أو تعثرها أثناء تنفيذها.

معالم رؤية بايدن المرحلية للاستقرار

بداية؛ لم يُشر الرئيس الأمريكي جو بايدن أو غيره من المسؤولين الأمريكيين، وكذلك مسودة الاتفاق العلنية التي عرضتها الولايات المتحدة، إلى مصطلح “الرؤية المرحلية”، واستخدمت التقارير الإعلامية والتحليلية “خطة” و”مقترح” لوصف الحل الذي طرحه بايدن بشأن قطاع غزة، مع ذلك فإن مضمون الخطاب واتساع القضايا التي تطرق إليها، تُشير إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى لإرساء مجموعة من الترتيبات لما بعد الحرب والتي قد تتعدى نطاق قطاع غزة ومستقبله، خاصة وأن الرئيس الأمريكي ربط نجاح الصفقة بإطلاق مسارات دبلوماسية تشمل تحقيق الهدوء بين لبنان وإسرائيل، وتطبيق حل الدولتين، وإبرام اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، ومن هذا المنطلق فإن خطة بايدن للحل في قطاع غزة تأتي ضمن تصور أوسع للاستقرار في الشرق الأوسط.

وبالعودة إلى مضمون الخطة -بشكل موجز- فهي تتضمن ثلاث مراحل؛ تشمل الأولى على وقف كامل ومؤقت لإطلاق النار، وتشهد إطلاق عدد من المحتجزين الإسرائيليين من النساء والجرحى وكبار السن، مقابل إطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين، وتستمر لمدة ستة أسابيع يتفاوض خلالها الطرفين على تفاصيل الانتقال إلى المرحلة الثانية. وهي المرحلة التي إذا ما نجح الطرفان الانتقال إليها سوف تشهد الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين بمن فيهم الجنود، مقابل انسحاب إسرائيل من القطاع بشكل كامل، ويتحول خلالها “الوقف المؤقت لإطلاق النار” إلى “نهاية دائمة للأعمال العدائية”. أما المرحلة الثالثة؛ فتبدأ بها خطط إعادة إعمار قطاع غزة، وإعادة ما تبقى من رفات الإسرائيليين القتلى إلى عائلاتهم.

تعقيدات التنفيذ تكمن بالتفاصيل

تطرح خطة بايدن هدفاً واضحاً في بدايتها (بوقف إطلاق النار)، وصريحاً في نهايتها (الوقف المستدام) للحرب، لكن مسار الخطة من لحظة نفاذها وحتى اكتمالها تواجه عدداً من التعقيدات، وتحتوي فجوات كفيلة بعرقلتها وتعثرها، وتحديداً في أربع قضايا رئيسية كالآتي:

أولا: التعقيد المحيط بمفهوم وقف إطلاق النار، والذي وصفته الخطة بـ “وقف الأعمال العدائية”، وهو مصطلح غامض وفضفاض من حيث تعريف الأعمال العدائية، وعلى ماذا تنطبق بالنسبة لإسرائيل وحركة حماس، خاصة أن الطرفين لديهما فجوة حول هذه النقطة، إذ تُريد حركة حماس وقف الحرب بشكل كُلي، وبينما نظرت بإيجابية تجاه تضمين انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وملف إعادة الإعمار في الخطة، إلا أنها تتعاطى بحذر تجاه الغموض الذي يُحاط بترتيبات وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من كامل قطاع غزة. في المقابل ترفض الحكومة الإسرائيلية ولا تزال -حتى بعد طرح بايدن- أي هُدنة دائمة تُنهي الحرب قبل تحقيق أهدافها، وبالتالي فإن القبول الإسرائيلي للخطة مشروطاً باستكمال الحرب، ما يعني أن الرؤية الإسرائيلية مختلفة تماماً عنها لدى الإدارة الأمريكية، إذ أساسها بالنسبة للحكومة الإسرائيلية “تبادل المحتجزين”، في حين أن أساسها لدى بايدن بأنها متعددة الأهداف -كما ذكرنا سابقاً.

هل-تنجح-خطة-بايدن-في-تحقيق-الاستقرار-في-الشرق-الأوسط-in-1.jpg

ثانياً: عدم وجود ضمانات حقيقية لإدامة وقف إطلاق النار، ففي حين ذكر بايدن أن الولايات المتحدة ستساعد “في ضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها”، وأن مصر وقطر ضمنتا التزام حركة حماس بالخطة. وفي هذه النقطة إشكالية مركبة، من جهة أن واشنطن خلال الحرب أظهرت صعوبة في ممارسة نفوذها على الحكومة الإسرائيلية، إذ لم تأخذ إسرائيل بالعديد من المطالب الأمريكية من بينها تحسين حياة الفلسطينيين في القطاع، والموافقة على إطار باريس التفاوضي، ومعارضة واشنطن سلوك الحكومة الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية وبشأن احتجاز أموال الضرائب الفلسطينية، وذلك يُثير شكوكاً حول “الضمانة الأمريكية”. في المقابل فإن تقديم مصر وقطر كضامنين لحركة حماس يتناقض بشكل واضح مع الادعاءات الأمريكية والإسرائيلية بشأن محدودية قدرة قطر في التأثير على حركة حماس، وعدم امتلاكها نفوذاً كافياً على قادة الحركة في قطاع غزة، بل إن إسرائيل تُشكك بدور قطر “المحايد” في الوساطة، إلى جانب مزاعم شبكة CNN في تقريرها المنشور بتاريخ 22 مايو 2024، بأن “المخابرات المصرية غيرت في صمت بنود مقترح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل”، وذلك يُشير إلى وجود فجوات بين الوسطاء أنفسهم، ما يؤثر في ضمانات تنفيذ الخطة ويعني أنها غير كافية.

ثالثاً: أن نفاذ الخطة لا يعني نجاحها، حيث ستحدد المفاوضات خلال المرحلة الأولى إمكانية الانتقال للثانية أو العودة للحرب، وفي الواقع فإن قضايا التفاوض الرئيسية والمعقدة بطبيعتها مثل شكل الحُكم القادم في القطاع، ومن سيُدير عمليات إعادة الإعمار، وما مصير الهندسة الإسرائيلية للقطاع مثل محور نتساريم والمنطقة العازلة وغيرها، خاصة وأن حركة حماس تُدرك أنها بمجرد موافقتها على المرحلة الأولى وإطلاقها المحتجزين غير العسكريين، فقد فقدت جزءاً من أوراق قوتها في الحرب.

رابعاً: إن استمرار حركة حماس في التفاوض طوال مراحل الخطة، يعني اعترافاً أمريكياً بأن الحركة باقية في قطاع غزة، وإذا ما كانت واشنطن تعتمد على المسار التفاوضي في دفع الحركة لتقديم التنازلات إما تجاه سعيها لاستعادة إدارة القطاع، أو تسليم قادتها المنخرطين في هجمات 7 أكتوبر 2023، أو القبول بتسليم السلاح، فذلك يدفعنا لتساؤل هام حول طبيعة الأوراق التفاوضية لدى الطرف الآخر القادرة على فرض هذه التنازلات على حركة حماس؟

النماذج السابقة لا تدعم فرص النجاح

قد تبدو خطة بايدن ظاهرياً على بعد خطوات من موافقة أطرافها عليها، لا سيما أنها صدرت عن رئيس الولايات المتحدة وأنها قُدمت كمقترح إسرائيلي إلى حركة حماس، ما يعني أن نفاذها يتطلب موافقة حماس عليها فحسب، بالإضافة إلى الدعم الدولي والإقليمي لها، لا سيما من الوسطاء والفاعلين في الحرب، إذ أكد بيان مشترك لوزراء خارجية (السعودية والأردن والإمارات وقطر ومصر) على أهمية التعامل بجدية وإيجابية مع مقترح وقف إطلاق النار، وتأييد قادة “مجموعة السبع”، لإعلان بايدن. مع ذلك فإن البحث في تشابك المواقف يجعل من الصعب ضمان نفاذ الخطة أو موافقة الأطراف عليها.

فمن جهة؛ هدف الرئيس الأمريكي جو بايدن بطرحه للخطة على العلن أن يضغط على أطراف الحرب بشكل مباشر، وصحيح أنها جاءت من رئيس الدولة الأكثر تأثيراً ونفوذاً في مجريات الحرب وفي القضية الفلسطينية تاريخياً، إلا أن ذلك غير كافٍ بالنظر إلى محاولات وضغوط بايدن السابقة. على سبيل المثال توقع بايدن في فبراير 2024، عن سريان وقف إطلاق النار خلال أسبوع من تصريحه ذلك، حينما قال “مستشاري للأمن القومي يقول لي إننا قريبون، نحن قريبون، ولم ننته بعد. وآمل أنه بحلول الاثنين المقبل سيكون هناك وقف لإطلاق النار”، إلا أنه وبعد قرابة الأربع أشهر على ذلك التصريح لا تزال مقترحات وقف إطلاق النار تتعثر.

من جهة أخرى؛ إن الضغط الدولي لنفاذ الخطة والموافقة الصورية لأحد أطرافها، قد يزيد من الفرص أمامها، لكن في ظل تعقيد مشهد الحرب، فإن تعثر المفاوضات مسألة حاضرة بقوة، ففي 6 مايو 2024، أعلنت حركة حماس موافقتها على وقف إطلاق النار المقدم لها من الوسطاء المصريين والقطريين، وكان من المفترض أن إسرائيل قد وافقت سابقاً عليه، وأنه صيغ بحضور مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية بيل بيرنز. إلا أن الحكومة الإسرائيلية سرعان ما رفضت الموافقة، وتحركت في اليوم التالي لبدء الهجوم العسكري على رفح، والسيطرة على معبرها في 7 مايو.

هل-تنجح-خطة-بايدن-في-تحقيق-الاستقرار-في-الشرق-الأوسط-in-2.jpg

تشابك المواقف قد يفشل الخطة المرحلية

تعكس المواقف الأولى لأطراف الحرب، التعقيدات والتشابكات في المشهد الداخلي لكليهما، فمن جهة نظرت حركة حماس بإيجابية تجاه الخطة، إلا أن موقفها النهائي منها يتحدد بتقاطعات أربع أطراف رئيسية، وهي المكتب السياسي للحركة، والوسطاء الضامنين وهم مصر وقطر، والجناح العسكري في داخل غزة، وإيران. وفي حين يُحتمل ان الطرف الأول قد يُبدي مرونة في الموافقة على الخطة، وبضغط من الوسطاء الذين رحبوا بها منذ الساعات الأولى لتقديمها، فإن ذلك قد يصطدم بمواقف الطرفين الأخيرين، وهما الجناح العسكري، وإيران، وهذه الأخيرة عبرت عن رفضها للمقترح بحسب وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري، الذي قال “إذا كان الأميركيون صادقين، فبدل تقديم خطة لوقف الحرب في غزة عليهم قطع المساعدات عن الكيان الإسرائيلي”.

أما في إسرائيل، والتي يُفترض أنها موافقة على الخطة، حيث قدمها بايدن بوصفها “مقترحاً إسرائيلياً”، فإن موقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعكس درجة التعقيد في الموافقة أو الرفض، حيث يضغط تيار عريض في الداخل الإسرائيلي لإعلان الموافقة على الخطة، من بينهم الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ الذي أعلن دعمه لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للموافقة على الخطة، وكذلك في تعهد زعيم المعارضة يائير لبيد بمنح نتنياهو شبكة أمان في الكنيست. إلا أن موافقة نتنياهو تعني حُكماً انهيار الحكومة الائتلافية وإضعاف موقفه أمام المعارضة التي قد تمنحه الأمان بشكل مؤقت ومحدود، حيث رفضت الأطراف المتطرفة في الائتلاف الحكومي الخطة، وتحديداً باعتبارهم إياها بمثابة وثيقة تقضي بوقف الحرب دون تحقيق كامل أهدافها، إذ وصفها وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بـ”المقترح الخطير”، في حين هدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير بتفكيك الحكومة إذا وافق نتنياهو على الصفقة دون القضاء على حماس.

وأخيراً؛ تُحاط “الخطة” التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالكثير من التعقيدات التي قد تعرقل مسارها أو نفاذها حتى، وإن ما قدمه بايدن يُعبر عن إعلان موقف، وهو أقرب لتصورات سياسته الخارجية، ويمكن أن يُنظر له بوصفه مقترحاً لوقف الحرب؛ لكنه لم يأتي بجديد. فما تضمنه من نقاط وتفاصيل تم نقاشها سابقاً بعد أسابيع من بداية الحرب، ولكن ما أغفله من قضايا وملفات تعد هي المحور الرئيسي للخلاف بين أطراف الحرب، ومع ذلك قد تشكل الخطة في هذه اللحظة مخرجا لأطرافها، وفرصة لوقف الاستنزاف الحاصل في قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وذلك ما يبقي فرص الموافقة على “رؤية بايدن المرحلية للاستقرار” قائمة.

حازم سالم الضمور / مدير عام ستراتيجيكس وباحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية‎

عبد الملك حسين عامر / باحث في معهد ستراتيجيكس

زر الذهاب إلى الأعلى