التطرف وديناميات السلطة في المجتمع الإسرائيلي
الاستماع للمقال صوتياً
|
الرياض – مقال الرأي
د. تركي فيصل الرشيد
إثر نصف قرن من المحاولات الفاشلة للحد من أعمال العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين، والتي يرتكبها القوميون اليهود المتطرفون، نستطيع أن نميّز كيف تغلغلت ثقافة الخروج على القانون في جسم المجتمع الإسرائيلي.
فالمستوطنون لم يستهدفوا الفلسطينيين وحسب، بل أيضا المسؤولين الإسرائيليين الذين سعوا إلى السلام. وهذا يشي الأمر بكيفية سيطرة هذه المجموعات الراديكالية على الدولة نفسها، بينما شهدنا انتقال الأيديولوجية المتطرفة من الهوامش إلى جوهر السلطة السياسية الإسرائيلية.
اتخذ البيت الأبيض في الآونة الأخيرة إجراءات غير مسبوقة ضد المستوطنين الإسرائيليين الأفراد، ما يمثل خروجا كبيرا عن بروتوكول الإدارات الأمريكية السابقة.
قوبلت هذه الخطوة بالغضب والسخرية من الوزراء في حكومة نتنياهو. ووصف الوزير سموتريتش، على سبيل المثال، الادعاءات ضد ليفي وآخرين بأنها “خادعة تماما”، وتعهد بالتعاون مع البنوك الإسرائيلية لمقاومة الامتثال للعقوبات المفروضة. كما أعربت الرسائل المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة عن دعمها الثابت لليفي وعائلته، مطمئنة لهم إلى أن شعب إسرائيل يحشد نيابة عنهم.
عندما سُئل مقربون من دائرة بايدن عما إذا كانت هذه الإجراءات من قبل الحكومة مجرد إيماءات رمزية من رئيس أمريكي محاصر يفقد الدعم المحلي لسياسته مع إسرائيل، دافع المسؤولون الأمريكيون بقوة عن موقفهم. إنهم يؤكدون أنه على الرغم من أن هذه التدابير قد لا تضع حدا للعنف، إلا أنها ترسل إشارة واضحة إلى حكومة نتنياهو فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر، حيث أصبحت غزة نقطة اشتعال محتملة في صراع إقليمي سريع التوسع في الشرق الأوسط.
من المهم مراعاة أن بعض أعضاء اليمين المتطرف في إسرائيل قد يرغبون في الحرب كنتيجة. ووفقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، فإن هؤلاء الأفراد “يتوقون إلى الحرب” و”الانتفاض” لأنهم يعتقدون أنها تثبت للعالم أن التعايش السلمي مع الفلسطينيين مستحيل، وأن السبيل الوحيد للمضي قدما هو تدميرهم.
وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن التحدي المستمر يكمن داخل إسرائيل نفسها. فمن المتوقع أن يكون لاستمرار الحرب تداعيات على موقف أمريكا مع حلفائها العرب من هذه الحرب. يتطلب هذا الوضع تحليلا دقيقا وإعادة تقييم للنهج الدبلوماسي الأمريكي، ولإسقاطات القوة.
إذا أردنا اقتراح خارطة طريق لتحقيق سلام دائم، فمن الأهمية بمكان أن نبدأ بالاعتراف بحقيقة الوضع. يجب أن يعترف قادة إسرائيل بالخسارة الحتمية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فعلى مر التاريخ، حصلت الشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي على الاستقلال من خلال نضالها الوطني، ما جعل من المستحيل على المحتل الحفاظ على الهيمنة. هذا المبدأ صحيح في جميع الظروف، بينما يواجه الفلسطينيون رحلة صعبة وطويلة لتحرير أنفسهم من الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال.
وفي حين تهدف إدارة بايدن إلى التوسط في صفقة دبلوماسية، وتحث نتنياهو على الالتزام بإقامة دولة فلسطينية مقابل اعتراف من المملكة العربية السعودية، تراقب دول مجلس التعاون الخليجي المشهد العالمي المتغير وتبحث عن حلول لمنع تمدد الصراع، بينما يعطون الأولوية لتنويع اقتصاداتهم وخلق بيئة سلمية لمستقبلهم بعد الوقود الأحفوري.
من نافلة القول أن ضم إسرائيل المستمر للأراضي على مدى عقود من محاولات التوصل إلى السلام، حولها إلى عملية فاشلة. لا يمكن تحقيق سلام حقيقي إلا من خلال مواجهة قضية الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967. إن تطبيق مبادئ كيسنجر على الدولة الفلسطينية يقدم حلولا غير فعالة تعطي الأولوية لمصالح محددة، ومن هنا جاءت حرب غزة لتسلط الضوء على مخاطر إعطاء الأولوية للحرب على السلام.
شخصيا، أعتقد أنه من الأهمية بمكان تحليل الجوانب المحيطة بالأحداث الجارية بدقة للحصول على فهم أعمق. وفي تقييمي، فإن الفصيل اليهودي اليميني المتطرف الذي يتمتع بسلطة كبيرة، سوف تساهم أفعاله الغوغائية في سقوطه في نهاية المطاف، بينما تلحق الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها هذه المجموعة المتطرفة أضرارا دائمة بالمجتمع اليهودي.