عندما تطغى العقائدية على الوطنية
الاستماع للمقال صوتياً
|
Ideologism overwhelming Nationalism
بيروت – خاص وايتهاوس
مقال الرأي بقلم الجنرال يعرب صخر
يكاد لا يخلو بلد في العالم من تنوع أطيافه وتعددية سكانه وتوزعهم أفرادا” أو جماعات في تكتلات وانتماءات دينية ومعتقدات فكرية وخصوصيات عقائدية. ومع تقارب المسافات وتخالط الشعوب وتمازج الثقافات وتطور الفكر الإنساني نحو الانفتاح والحداثة، باتت حرية الراي والفكر والمعتقد مصانة بالقوانين تحميها الدساتير ومبادئ حقوق الإنسان.
كن ما شئت واعتقد ما شئت وعبر عن رأيك ومعتقدك كيفما تسنى لك وحيثما سنح لك؛ لك الحرية في أهوائك وفي كل طقوسك، وأكثر انت بمعتقدك محمي ومقدر ومصان… لكن؛ مارس ذلك في بيتك، في صومعتك، جامعك، كنيستك، حيك… شرط أن لا يؤثر ذلك على الانتظام العام في النظام الذي أبرمت معه عقدك الإجتماعي (جان لوك) لك حقوقك عليه أن يرعاك ويحميك ويؤمن لك الإستقرار والرفاه، وانت تلتزم بحدود نظمه وقواعد قانونه وضوابط دستوره وتوجهه العام وسياساته المجتمعية وعلاقاته الدولية السليمة وسيادته المنزهة عن كل اعتبار، حيث أركان السيادة: أرض وشعب وسلطة، أنت ايها المواطن فيها عنصر رئيس لدوام سلطة قوية وأرض سيدة.
الشعور بالانتماء والهوية الثابتة في وطن يمثل لمواطنيه رمز الفخار والسيادة والعزة والكرامة، والدفاع عنه والاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل عزته، هو تعزيز لقيمة الإنسان في وطن الإنسان؛ وقيمة هذا من قيمة ذاك. هذا هو جوهر الوطنية الحقة Nationalism بالرغم من اختلاف وتنوع التعاريف. أما لما تطغى عند الشعوب عقائدهم Ideologism ويغلبونها على وطنيتهم، عندها تنهار الأمم وتتصدع الأوطان.
إنه دستور الطبيعة وكنه الصيرورة في صعود أو هبوط الأمم. لا يمكن بأي حال السماح بذلك؛ وليكن ذلك القاعدة الصلبة في تشييد بنيان الأوطان. والتجارب ماثلة أمامنا تتحدث عن نفسها.
تحضر أمامنا إيران كمثال فاقع عن تغليب العقائديات على الوطنيات. انظر ترى كيف آلت اليه الأمور في مناطق نفوذها في سوريا والعراق وغزة ولبنان واليمن.. كيف صارت جيوباً متداخلة متنازعة في الوطن الواحد وتتصل بوشائج القربى بأقلياتها وعقائدياتها المتمردة خارج حدود أوطانها.
زرعت إيران في كل بيئة عربية شيعية أو متماهية معها في المقاصد والغايات نزعات الإنفصال أو التمرد على أوطانها ببث العقائدية والجهل والتخلف لتغليبها على الروح الوطنية وثقافة الإنتماء، متبعةً كل الأساليب الناعمة والصلبة والشحن والعصبية؛ تزودها بالمال والسلاح لتصبح ميليشيات وشراذم عابرة لأوطانها non state actors تقوى عليها وتعيث فيها الفساد والتشرذم وتسرق ثرواتها وتبدد خيراتها وتُفقر شعوبها، وتسم دولها بالفشل والتردي والانحطاط وتحيلها إلى دول مارقة آيلة للإنحلال.
بموضوعية وتجرد؛ لا نضع كل اللوم على إيران؛ بل جزء مهم من المسؤولية واقع على الدول والسلطات العربية التي لم تحصن الفرد العربي ضد هذه الآفة. ولتكن تلك دروس وعبر نستفيد منها كي نمنع حدوثها في أماكن أخرى.