روسيا البريئة والمحقّة: بروباغندا القتل بحجة الدفاع
الاستماع للمقال صوتياً
|
هيئة تحرير وايتهاوس ان أرابيك تفنّد في سلسلة مقالات موجزة مناهج التضليل الإعلامي في البروباغاندا الروسية، والتي بالرغم من استفادتها في الكثير من عناصرها من تجربة التضليل الإعلامي للاتحاد السوفياتي، فإنها في ذات الوقت تتسم بملامح جديدة طريفة ومثيرة للاهتمام.
المقال الأول
إنها روسيا البريئة، روسيا الضحية.. هكذا تكرّر البروباغاندا الروسية المعاصرة الوصفة القديمة للبروباغاندا السوفيتية.
وفي الحرب البوتينية ضد اللبرالية الغربية، يمكن لروسيا أن تجد كل المبررات لإعادة إحياء آلة الدعاية الشيوعية السابقة. لعلها تعتبر أن عقارب الساعة لم تتغير، وأن المعايير الجيو-استراتيجية التي أسست لاتفاقيات يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، لا تزال سارية المفعول، بغض النظر عن تطور الشعوب والدول التي كانت تعتبرها روسيا مجرد كواكب تدور في فلكها، سواء كانت تدور في فلكها عن قريب مثل أوكرانيا وجورجيا أو من بعيد مثل فنزويلا وسوريا. هذه البروباغاندا الروسية تحاول خلق وسادة حماية ضد الحركة الموضوعية للتطور الاجتماعي نحو الديمقراطية والليبرالية فيما تعتبره روسيا تأثيرات غربية ليبرالية خبيثة.
لكن بعض بلدان أوروبا، بما في ذلك البلطيق وأوكرانيا، تتعرض لهجوم إعلامي أكثر كثافة. تلك الدول التي لديها أقلية السكان ناطقون بالروسية ويعيشون مع آبائهم الذين كانوا مواطنين سوفيات.
هنا، في كل مناسبة، تشجع روسيا هؤلاء المواطنين غير الروس أصلاً على الدخول في حلقة مفرغة من الاحتجاج الاجتماعي السياسي الدائم ضد مجتمعاتهم ودولهم، بحجة كونهم ضحية للعداء المستشري لروسيا. أبسط الأمثلة عندما قررت حكومة أستونيا نقل تمثال جندي الجيش الأحمر إلى موقع آخر، وما تلاه من احتجاجات سعرتها روسيا رسميا بحجة اضطهاد الناطقين بالروسية في أستونيا، وأخطرها بالطبع هو دعم روسيا للانفصاليين الأوكرانيين في دونباس بحجة صعود كراهية الروس في أوكرانيا.
وكما تثبت التجربة، تصاغ حجة الدفاع عن النفس في آلة البروباغاندا الروسية بهدف اكتساب دباباتها وميليشياتها الحق في ان تهاجم وتقتل وتحتل وتدمر وتشن الحروب وتقسّم الدول وتهّجر السكان.
كانت تلك ذريعة الهجوم جورجيا 2014، حيث قيل ان جورجيا، ويا للسخرية، هاجمت روسيا، وبهدف “الدفاع عن روسيا ضد العدوان الجورجي”، احتلت روسيا أبخازيا وأوسيتا الجنوبية، ثم أجرت استفتاء فيهما تحت السلاح، تم على إثره فصل هذين الإقليمين عن جورجيا. وكذا كان القتل بحجة الدفاع عند التدخل في سوريا، لحماية روسيا من الإرهابيين الروس مع المعارضة السورية، وكذا الامر في عند احتلال شبه جزيرة القرم ثم دونباس الخ.. والان تهدد موسكو بانها ستجري استفتاء دونباس يتم فيه علميا ضمها لروسيا. ثم مليارات الروبلات وآلاف الضحايا وتفكيك للدول الصغيرة، بذريعة الدفاع عن روسيا ضد الإرهاب في سوريا وكازخستان.
وحيثما كانت شعوب هذه البلدان تطمح لنظام سياسي يبتعد عن نموذج الدولة الاوليغارشية الروسي، تصبح، في عيون البروباغندا الروسية، سلطات هذه الدول غير شرعية وفاشية، وتديرها نخب عديمة الضمير لا تضع مصالح شعوبها في الصميم.
بناءً على ذلك، يحكم أوكرانيا الانقلابيون غير-الشرعيون، ويسطر عليها النازيين الجدد، ويحكم الفاشيون أستونيا أولاتفيا أو بولونيا الخ.. أما حكام فنزويلا وكوريا الشمالية وسوريا وكازخستان، فإنهم، في عيون البروبغاندا الروسية، وكما حكام روسيا، ضحية بريئة، وشعوبها الساعية للحرية ليست سوى دمى في يد المؤامرة الليبرالية الكونية على روسيا والعالم.
انها، بالنتيجة، الاستراتيجية المضمرة ذاتها دوماً. الولايات المتحدة وأوربا الغربية منخرطة في محاولة أنانية لا ترحم للسيطرة على العالم، وبالتالي فإن أي شيء يمكن لروسيا أو أي بلد آخر القيام به لمقاومة ذلك جدير بالثناء وله ما يبرره.
مقصد البروبغاندا الروسية أن هذه الدول ليست جديرة باختيار طريقها في التطور ولا أن تختار تحالفاتها طالما أن ذلك لا يخدم الهواجس التوسعية الروسية فيما يسمى بالدفاع عن روسيا.
والأهم من ذلك هو أن روسيا تعلم وجربت حقيقة أن لا أحد رغب أو يرغب في الهجوم عليها، حتى عندما كانت في أضعف أحوالها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولم تتورط أية دولة في مستنقعاتها. وتثبت التجربة أن العدو الرئيسي للاوليغارشية الروسية في نهاية الأمر ليست الصواريخ، بل تلك الرايات البرتقالية، وذاك الصعود الموضوعي للديمقراطية في شرق أوروبا الذي يهدد “نموذجها المقدسًً