آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

قمة بوتين- شي في ميزان القمم والتحالفات الجديدة

الاستماع للمقال صوتياً

بسام أبو طوق

اختار الرئيسان الروسي والصيني أن يجتمعا منفردين بقمةٍ ثنائية قبل الاجتماع العام لمنظمة شانغهاي للتعاون بمدينة سمرقند الأوزبكية، فأجندة الرئيسين المحلية والدولية لها بنودها الخاصة التي توجب الفصل بين هذه القمة وبين هذا الاجتماع٠

فمنظمة شنغهاي التي تضم إضافة إلى روسيا والصين، دولا إقليمية مثل الباكستان والهند وبعض جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية سابقا وهي كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، عدا عن الدول المرشحة للعضوية مثل إيران، ودول بصفة مراقب وشريك للحوار وعلى رأسها تركيا وأذربيجان، هذه المنظمة هي للتعاون السياسي والاقتصادي وليست حلفاً مثل الناتو وليست للتكامل السياسي مثل الإتحاد الأوروبي، وتختلف طبيعة وأوزان التحالفات بينها وبين روسيا أو الصين من دولة إلى دولة.

تبدو إيران حليفاً قوياً لروسيا ولكن مجالات التعاون تقتصر على مناطق النفوذ الإيراني وخاصةً سوريا، وتعاني إيران من عزلةٍ وحصارٍ دوليين وهي ليست في موقع الجدار الساند للجانب الروسي في معركته مع أوكرانيا، ولو أنها ذات منفعة في تقديم خبرتها العملية في التملص من حصار العقوبات الدولية.

أما الهند، الدولة القارية الأعظم في جنوب آسيا، فعلاقاتها ليست على ما يرام تاريخياً مع الصين، وهي تحافظ على سياسة متوازنة بين روسيا وأمريكا، وهي دولة وازنة مستقلة وتتمتع بالاكتفاء الذاتي٠

وفيما تميل باكستان إلى النفوذ الأميركي وخاصةً بعد التغيرات الأخيرة في السلطة من إسقاط عمران خان وصعود شاهبور شريف، فهي على صراع ٍحاد ووجودي مع الهند يحرق أصابع من يحاول التدخل فيه.

أما تركيا وهي في وضع المراقب والشريك بالحوار فهي عضو في الناتو ولها منازعات مع إيران في آسيا الوسطى ذات طابع عرقي ومضمون اقتصادي، وعلاقاتها مع روسيا غير مستقرة وتتغير أوزان التحالفات لديه حسب المصالح الآنية٠

وبالعموم تعاني جمهوريات وسط آسيا السوفيتية – سابقاً – من نزاعات حدودية ضارية منذ انهيار الإتحاد السوفيتي وأقرب مثال على ذلك اشتباكات الحدود بين قيرغيزيا وطاجكستان رغم تواجد رئيسي البلدين في القمة ذاتها٠

لهذه الاعتبارات تم الفصل بين قمة بوتين – شي وبين اجتماع منظمة شنغهاي. فرغم محاولة خلط الأوراق والإيحاء بتشكل حلف إقليمي معادٍ للغرب وضمن المجال الصيني الروسي فإن من المبكر الحديث عن ذلك وربما لاصحة له على الإطلاق٠

يسعى بوتين لتحويل الموقف المتوازن الصيني تجاه الأزمة الأوكرانية وشده على استقامته للانحياز إلى روسيا، وهو يلوح بجزرة دعم الصين في خلافها مع أمريكا تجاه دعم واشنطن المعلن لاستقلال تايوان، وهو يرفع راية رفض سياسة القطب الواحد والدعوة لعالم متعدد الأقطاب وهوما تطمح إليه بكينز

يبحث الرئيس الروسي جاهداًعن أي تقدم يؤكد صحة مغامرته العسكرية المحدودة النتائج في أوكرانيا وذلك لأسباب داخلية وخارجية، فبعد الهجوم المعاكس للقوات الأوكرانية وتراجع القوات الروسية تعالت وتزايدت الأصوات منتقدةً ما سوّق إليه بوتين على أنه عملية عسكرية خاصة بل هناك من تشجع وطالب بعزله٠

وأما الزعماء الذين يقفون ضمنياً مع روسيا فهم يتخوفون من الانزياح عن موقف الحياد الذي اتبعوه، وهم الآن أكثر حذراً وريبةً من أن يدوسوا الخطوة الناقصة ويجرهم بوتين في مغامرة فاشلة. وعلى رأس هؤلاء الزعماء الرئيس الصيني الذي يسعى إلى تجديد ولاية ثالثة على رأس الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره الذي سينعقد قريباً ولا يريد أن يظهر بمظهر السياسي الذي راهن على رئيس أجنبي وخسر. وهو ايضاً لابد له من تقديم اختراقات للضغط الأميركي الثقيل والمتصاعد على بلاده ولكن من دون التفريط بالخيط الرفيع الذي يحافظ عليه مع واشنطن نظراً للمصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين٠

تبدو الصين حالياً في حال أقوى من روسيا ومصالحها أشمل وأكثر تنوعاً ولذلك فإن هدف بكين هو الحفاظ على تفاهمها مع موسكو استراتيجياً لمواجهة القوة الأمريكية ولكن دون التورط بتقديم دعم على المستوى التكتيكي٠

وفيما اعتبرت قمة بوتين – شي قمة تحدي لأمريكا، فإن الأخيرة وجهت تحذيراً إلى بكين بأنها تراقب مدى دعم الرئيس الصيني لروسيا، وأن الوقت الحالي غير مناسب لإقامة أي علاقات تجارية أو بيزنس مع موسكو، وهذا يعني أن هناك مساحات ضيقة يمكن أن تلعب فيها الصين في علاقتها مع روسيا ولكنها لها حدود، فعبارات شكلية إنشائية يمكن تمريرها ولكن العم سام يراقب٠

وفي المقابل تحرص الإدارة الأمريكية على عدم تجاوز الخطوط الحمراء في استفزاز العملاقين الروسي والصيني، فلن تحصل أوكرانيا على صواريخ هجومية ولن تحصل تايوان على دعم مباشر، فهناك حدود مرسومة بعناية فائقة ويتم تحريكها بدقة بالغة. فليس مقبولاً دفع الدب الروسي المثخن بالجراح إلى الحائط، ولا استنهاض التنين الصين الرابض حالياً٠

اللقاء الصيني الروسي تم عقده على أرض محايدة وهذا له دلالاته. ورغم التصريحات من كل طرف والإشادة بمواقف الطرف الثاني، لم يتم الحديث عن أي خطوات عملية لتعاون عسكري واقتصادي أقوى وأمتن. ولكن وفي التحليل الأخير ننتظر مخرجات اجتماع منظمة شنغهاي لتلمّس إذا كان هناك تطورات جديدة أم يبقى عض الأصابع على حاله٠

وإن غداً لناظره لقريب.

بسام أبو طوق

مهندس وكاتب سوري - كندي مقيم في مونتريال
زر الذهاب إلى الأعلى