عربيات

انتخابات لبنان: مصير الحكومة والرّئاسة بيد “حزب الله”!

الاستماع للمقال صوتياً

النهار العربي/وايتهاوس ان أرابيك

ابراهيم حيدر

يدخل لبنان بعد إنجاز الانتخابات النيابية مرحلة جديدة تحمل العديد من الأزمات، لعل أبرزها أزمة تكليف رئيس جديد للحكومة وتشكيلها، وانتخاب رئيس للجمهورية بعد نهاية عهد الرئيس ميشال عون في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

استعرت المعركة الانتخابية وبلغت المواجهات ذروتها في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، وتعزّز الانقسام السياسي في الصراع على من يفوز بالأكثرية، خصوصاً في الساحتين السنية والمسيحية، والتي ستحدد من يتحكم بالاستحقاقات المقبلة، فإذا تمكن “حزب الله” وحلفاؤه من الحصول على مقاعد سنّية أكبر مع مقاطعة جزء من السنّة الانتخابات بعد انسحاب سعد الحريري وتياره، فيمكنه أن يتحكم بتشكيل الحكومة المقبلة وتحديد اسم رئيسها.

فالمعركة مثلاً في العاصمة بيروت هي مفصلية حيث كثافة التصويت السنّي تحدد التوازنات الجديدة، وإن كانت أيضاً المناطق الأخرى مهمة من الشمال اللبناني وطرابلس وعكار والبقاع، حيث يخوض الحزب عبر محور الممانعة معارك لدعم حلفائه بتحصيل أكبر عدد من المقاعد السنية والمسيحية.

تحضيرات القوى السياسية والطائفية لخوض المعركة الانتخابية في مرحلتها الثالثة والأخيرة للمقيمين أخذت أشكالاً مختلفة من التعبئة، وأحدثت تغييرات مهمة في المشهد السياسي اللبناني قبل الاستحقاق. فبعد سقف الخطاب المرتفع لـ”حزب الله” بالتخوين والعمالة والاتهامات بالتدخلات الأميركية والسعودية لقلب النتائج، ارتفعت أصوات سياسية على المقلب الآخر، أظهرت أن المعارك بدأت تستعر بين محورين حتى يوم الانتخابات في 15 أيار (مايو) الجاري، فتقدم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خطابه لمنع “مصادرة القرار الوطني اللبناني المستقل لمصلحة محور الممانعة والتزوير في كل موقع من الجبل إلى الجنوب مروراً بالإقليم وبيروت”، محذراً من اغتيال جديد عبر الانتخابات، فيما عاد التحشيد في الساحة السنية بكلام لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي رفع شعاراً جديداً هو “منع حزب الله من تحقيق الأكثرية”، إضافة إلى دعوة المفتي عبد اللطيف دريان أئمة المساجد للتركيز على ضرورة المشاركة في الانتخابات والاقتراع بكثافة.

تتركز المعركة في الساحتين المسيحية والسنية. ويتشكل عصب جديد في بيروت جبل لبنان والشمال والبقاع، لمنع محور الممانعة الذي يقوده “حزب الله” من إعطاء التيار العوني أكثرية مريحة، تسمح له بالتحكم بمفاصل القرار واستخدامه في المرحلة المقبلة. لكن العين على البيئة السنية التي تعاني تشتتاً وفوضى بعد مقاطعة سعد الحريري للانتخابات وانسحابه من الحياة السياسية، إذ إن المعركة تحتدم لنيل أكبر عدد من المقاعد بين ما بات يُعرف بمحوري الممانعة والسيادة، وهذا الأخير غير مكتمل، فيما القوى التغييرية من مجتمع مدني ومجموعات الانتفاضة وأحزاب معارضة لم تتمكن من توحيد لوائحها، ولذا يبدو أنها لن تسجل خروقاً كبيرة في الانتخابات. وفي المقابل، يقاتل “حزب الله” ومعه التيار العوني لنيل الأكثرية، باستخدام كل فائض القوة واختراق كل المناطق والبيئات.

استحقاقات المرحلة المقبلة مهمة وأساسية في وضع إقليمي ودولي غير مؤاتٍ، بعد تراجع الرهانات حول توقيع الاتفاق النووي. التركيز سيكون على الحكومة المقبلة، والمتوقع أن نشهد صراعاً مفتوحاً يترك لبنان في الفراغ وتصريف الأعمال حتى استحقاق الرئاسة. ولذا تشكل معركة الحصول على الأكثرية عنواناً للعبور والتحكم بمفاصل البلد لاحقاً، وأيضاً في صيغته وتركيبته وتحسين شروط التفاوض على مستقبله ونظامه.

لكن التوقعات تشير إلى أن المعركة الانتخابية لن تؤدي إلى تغيير كبير في الهيمنة القائمة اليوم، وقد نشهد تعطيلاً لنتائج الانتخابات إذا تبين أن هناك خسائر للممانعة أو تسونامي قلب التوازنات، وهذا الأمر يدفع البعض إلى تقديم طعون للمجلس الدستوري، قد توقف إعلان النتائج أو افتعال مشكلات خلال عمليات الاقتراع لتعطيل الإقبال. وفي كل حال هناك من يريد الإمساك بالبلد، إما بقوة الأمر الواقع أو بطريقة انتزاع أكثرية تعطل المؤسسات ساعة تريد.

كان واضحاً الكلام الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله حول مرحلة ما بعد الانتخابات، فهو وإن كان يدعو جمهوره إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات، إلا أنه أكد أن لا أحد يستطيع نزع سلاحه، وحدد ملامح المرحلة المقبلة لما بعد الانتخابات، خصوصاً تشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس للجمهورية. وكلامه يوحي بأن الحل مرتبط بالتوازنات الإقليمية وبالوضع الدولي وبمفاوضات المنطقة، ويدل ذلك على التعقيدات المستمرة التي ستبلغ ذروتها بين محور “حزب الله” والقوى المعارضة له إلى أن تحين فرصة التسوية الإقليمية التي ستنعكس حتماً على الوضع اللبناني.

لكن أي تسوية في البلد بعد الانتخابات لا يمكن أن تستقيم من دون توازن طائفي، فإذا تمكن “حزب الله” من نيل أكثرية في الساحة السنية قد يختل التوازن ويتحكم الحزب بكل الاستحقاقات، مع ما يحمله هذا الوضع من مخاطر على الصيغة اللبنانية ووضع النظام.

تدور المواجهة الأكبر في الانتخابات أيضاً في الساحة المسيحية، والتي يعتبر البعض أنها تحدد وجه لبنان. لكن هذه المعركة ليست مسيحية – مسيحية صرفة، بل تخوضها القوى الطائفية الأخرى وبيئاتها لحسم النتائج ونيل الأكثرية. وتدور بين “التيار” العوني و”القوات اللبنانية” بشكل رئيسي، فيما تسعى أطراف أخرى إلى التميز، خصوصاً حزب “الكتائب” وتيارات أخرى وعدد من المستقلين. وتستعر المعركة في هذه الساحة المتنوعة، فقد تمكن “حزب الله” من جمع “المردة” والعونيين، وهو يعمل على التعبئة الشيعية لدعم مرشحي “التيار الوطني الحر”، فيما تسعى “القوات” لأكثرية مسيحية بالتحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض الشخصيات السنية.

في هذه الساحة، يركز “حزب الله” على دعم التيار العوني من خلفية موقعه الإيراني، إذ إن نتائج الانتخابات فيها ستحدد طبيعة الهيمنة وحساباتها الإقليمية، وبالتالي يحشد في البيئات الطائفية، لتحصيل أكبر عدد من المقاعد. فالطرف المسيحي المتحالف مع “حزب الله”، أي التيار العوني، يغطي مشروعه، وهو ساهم في نزع انتماء لبنان العربي، وأدت سياساته حتى من موقع رئاسة الجمهورية إلى خصومات كثيرة مع العرب، وأيضاً فئات لبنانية داخلية.

البيئة السنية اليوم مشتتة وعاجزة عن تشكيل عصب في المعركة الانتخابية، لذا تتقاسمها القوى المتصارعة لتجيير أصوات ناخبيها في غياب مرجعية قادرة على الاستقطاب، وهذه نقطة ضعف أساسية، وثغرة في معركة الطرف الذي يرفع شعار التواصل مع المجتمعين الدولي والعربي، في مقابل الطرف الممانع الذي تمكن من تنظيم قوته على أنقاض البلد والانهيار والتفكك. وفي غياب التنظيم لدى القوى التغييرية المنبثقة من انتفاضة 17 تشرين، قد نكون بعد الانتخابات أمام التعطيل والفراغ وربما تتكرر نسخة 2014 – 2016، في شكل أكثر خطورة تطيح كل ما تبقى من معالم لبنان التاريخي

زر الذهاب إلى الأعلى